البيان العام

إن المؤتمر الوطني الثالث الاتحاد للاشتراكي للقوات الشعبية المنعقد في الدار البيضاء أيام الثامن و التاسع و العاشر من دجنبر 1978، بعد دراسته للتقرير التوجيهي العام الذي قدمه باسم المكتب السياسي الكاتب الأول للاتحاد، و بعد مناقشته مختلف التقارير و البيانات التي خرجت بها الندوات الوطنية التي عقدها حزبنا خلال هذه السنة و حلل فيها مناضلونا الوضعية السائدة في مختلف القطاعات الاقتصادية منها و الاجتماعية و الثقافية، و بعد تحليله لمعطيات المرحلة التي اجتازها حزبنا منذ مؤتمرنا الاستثنائي المنعقد أيام 10-11-12 يناير 1975، و لعناصر الوضعية العامة السائدة في بلادنا خاصة و في منطقة المغرب العربي عامة.

 

يؤكد أن الاختيارات اللاشعبية اللاديمقرطية التي تمسك بها الحاكمون، منذ ثمانية عشر عاما، و التي طالما ندد بها حزبنا و حذر من نتائجها و عواقبها في مختلف بياناته و مواقفه، قد أصبحت الآن أمام أفق مسدود وحكمت على نفسها بالفشل في كافة الميادين، و أدت إلى ما كانت ستؤدي إليه حتما، فتحت بذلك توقعاتنا و تأكدت صحة تحليلاتنا و استنتاجاتنا ها هو الاعتراف بخطورة التحديات التي تواجهها بلادنا في مجال استكمال وحدة ترابها، و بتفاقم الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية، و استفحال الفوارق الطبقية، و فساد السياسية التعليمية المتبعة، يحظى الآن بالإجماع الوطني، لا فرق في ذلك بين الحاكمين و المحكومين. غير أن الاعتراف بخطورة الوضعية شيء، و تعرية هذه الوضعية، و النفاذ إلى عمقها و الكشف عن أسبابها الحقيقية، و بالتالي تقديم الحلول الصحيحة لها، شيء آخر. لقد حرص حزبنا منذ تأسيسه على التنبيه باستمرار إلى خطورة النتائج الحتمية للاختيارات اللاشعبية و اللاديمقراطية، و لم يدع فرصة تمر دون أن يدق ناقوس الخطر من خلال تعرية جذرية للأوضاع التي خلقتها و تستمر في تغذيتها و تنميتها الاختيارات الفاسدة المفسدة، متحملا في كل مرة ضريبة الصراحة و الوضوح. ضريبة الكفاح ضد الفساد و النضال من اجل إقرار اختيارات شعبية ديمقراطية حقة.

و الاتحاد الاشتراكي الذي اختار طريق الوضوح و الصراحة يؤكد عزمه على مواصلة السير فيها مهما كلفه ذلك من تضحيات واضعا نصب عينيه دائما المصلحة العليا للوطن و حق الشعب المغربي في الحياة الحرة الكريمة، و لذلك فهو لا يتردد اليوم، كما لم يتردد بالأمس، في تعرية الأوضاع الراهنة، المتدهورة المتفسخة، و بيان أسبابها الحقيقية، و طرح البديل الوطني التقدمي القادر على إنقاذ البلاد و شق طريق المستقبل بطمأنينة و أمان.

فإذا نظرنا إلى الوضعية الحالية في البلاد من خلال القضايا المطروحة اليوم على الساحة الوطنية، فإننا نجد، أنه سواء تعلق الأمر باستكمال وحدة ترابنا و حماية أراضينا من الأطماع و العدوان، أو الوضعية الاقتصادية، و الاجتماعية و السياسية و التعليمية التي لا تزداد إلا تفسخا و انحلالا، أو بالسياسة الخارجية المتبعة التي وضعت بلادنا عربيا و أفريقيا و دوليا في عزلة قاتلة، فإن هناك حقيقة واحدة واضحة تفرض نفسها اليوم على الجميع، هي أن المغرب الآن يعيش في أوج الأزمة التي عرفت بلادنا بدايتها مع الإعلان عن الاستقلال و استمرت في التفاحش و التفاقم طوال العشرين سنة الماضية : أزمة الهياكل و البنيات، السياسية منها و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.

نعم لقد تمكن المغرب في السنوات الأخيرة من استرجاع أجزاء من ترابه الوطني التي بقيت، و ما يزال بعضها، خارج السيادة الوطنية. و كان ذلك بفضل التحرك الوطني الذي ساهمت فيه مختلف القوى الوطنية و في طليعتها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي لم يبخل في هذا المجال بأي مجهود واضعا المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار آخر، مما كانت نتيجته أن أصبحت الآن أقاليمنا الصحراوية المسترجعة تحت حماية جنودنا و ضباطنا الأشاوس. و على الرغم من اعتزازنا كباقي أفراد الشعب المغربي بهذا الإنجاز الوطني العظيم، فإنه لابد من التأكيد مرة أخرى على أن تردد الحاكمين في جعل حد للعدوان المستمر الذي تتعرض له أراضينا المسترجعة و الأراضي المتاخمة لها، و الذي تحركه الأطماع التوسعية و تغذية الحسابات الإمبريالية، قد جعل النصر الذي حققه شعبنا في مجال كفاحه من اجل استكمال وحدة ترابه يتحول إلى مسلسل من عمليات الاستنزاف العسكري الاقتصادي و السياسي، مما جعل بلادنا تعيش خلال السنوات الثلاث الماضية وضعية حرب حقيقية، عسكرية و اقتصادية و نفسية، لم يستطع الحاكمون مواجهتها بكل ما يلزم من الصراحة و المسؤولية، فكانت النتيجة العامة لهذه الوضعية وضعية لا حرب لا سلم حرمان جماهير شعبنا القاطنين في الصحراء المسترجعة من الحياة العادية المطمئنة، حياة الوحدة الوطنية و ما يجب أن يرافقها من بناء و تشييد من جهة، و ترك حلفائنا و أصدقائنا تحت وطأة الشك و التشكك في مدى قدرتنا على تحمل مسؤولياتنا كاملة من جهة ثانية، و الظهور دوليا بمظهر المتشكي الضعيف في عالم أصبح الاعتراف فيه بالحق مشروطا بقوة صاحب الحق من جهة ثالثة.

و هكذا ظلت أراضينا المسترجعة مسرحا لعدوان سافر متكرر متعاظم، و ظل ملفها مفتوحا أمام جميع المؤتمرات الدولية كملف نزاع بين ما يسمى ب”الأطراف المعينة” التي يزيد تردد الحاكمين في بلادنا ممن كونها “معينة” و إذا أضفنا إلى هذا خلو سياسة الحاكمين من أية استراتيجية بالنسبة للأراضي التي مازالت خارج السيادة الوطنية أدركنا مدى عجز السياسة المتبعة منذ الاستقلال إلى اليوم عن استكمال وحدة ترابنا داخل حدوده الحقيقية. و هكذا، فالشعب المغربي الذي كان أول شعب إفريقي انتزع استقلاله بتضحياته و دمائه يجد نفسه اليوم، و بعد اثنين و عشرين سنة من الاستقلال، مطالبا بإتمام هذا الاستقلال الذي استطاع انتزاعه، يوم كانت المبادرة في يده، في بضع سنوات و بأقل خسارة. إن هذا وحده كاف للحكم على السياسة المتبعة في هذا المجال بالفشل و الإخفاق.

و كما فشلت الاختيارات اللاشعبية اللاديمقراطية، التي تمسك و يتمسك بها الحاكمون، في مجال استكمال وحدة التراب الوطني، برهنت هذه الاختيارات نفسها عن عجزها كذلك في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و العلمية، عجزا لم يعد من الممكن تغطيته بالوعود و المسكنات. إن الوضعية الحالية الاقتصادية و الاجتماعية و التعليمية و السياسية تهدد الآن بانفجار محقق لن يقتصر هذه المرة على ميدان دون آخر، لأن الميادين كلها تعيش أوج أزمتها.

o

 

 

ففي المجال الاقتصادي و المالي لم تستطع البيانات الرسمية نفسها إخفاء الحقيقة التي طالما كشفنا عنها، حقيقة عجز السياسة المتبعة عن تحقيق أي تقدم ملموس يستجيب لمتطلبات بناء اقتصاد وطني متحرر نام و متوازن تتحقق فيه و بواسطته شروط التنمية الحقيقية لصالح الجماهير الشعبية الكادحة. و هكذا فمنذ أن تم التخلي عن الاتجاه الإنمائي التحرري الذي سطره التصميم الخماسي الأول (1960-1964)، و منذ أن أفرغت التدابير و المشاريع التي نص عليها هذا التصميم من محتواها الوطني التقدمي الشعبي، سقط اقتصادنا في مسلسل من التدهور، قوامه العدول عن مشاريع التجهيزات الأساسية التي تستهدف بناء قاعدة اقتصادية صناعية و زراعية متينة، و الاكتفاء بالمشاريع السطحية ذات المردود السريع الذي يلبي جشع الطبقات الطفيلية الانتهازية المستغلة، فكانت النتيجة ما نراه اليوم و تعترف به البيانات الرسمية من ضعف في الإنتاج و المرودية، و اعتماد شبه كلي على القروض الخارجية، و التبعية شبه المطلقة لتقلبات السوق العالمية، و عجز موازنتنا الحالية التي تنهكها نفقات التسيير و التبذير عن توفير أي فائض حقيقي للتجهيز. و يكفي هنا اقتباس بعض الأرقام من قانون المالية و مشروع “التصميم الثلاثي” اللذين يناقشهما البرلمان حاليا، حتى نتمكن من أن نضع أمام أعيننا صورة ناطقة عن مدى الخطورة الفائقة التي تتسم بها الوضعية الاقتصادية و المالية و التي يستحيل تجاوزها أو حتى التخفيف منها مادامت الاختيارات التي أنتجتها قائمة نافذة. إن نفقات التسيير لسنة 1978 تمتص وحدها معظم مجموع مداخيل ميزانيتنا، الشيء الذي يعني تجميد الاستثمارات التي لم يخصص لها في الميزانية الحالية سوى 6،8 مليار درهم.

و إذن، فبدلا من أن يمس التقشف مصاريف التسيير و الاستهلاك مس مسا خطيرا الاستثمارات، الشيء الذي يعني تقهقر مسلسل الادخار و التنمية الاقتصادية، ذلك ما يكشف عنه انخفاض مصاريف التجهيز في السنوات الثلاث الأخيرة و الذي اصبح كما يلي :

1977 – 11،74 مليار درهم

1978 – 8،13 مليار درهم

1979 – 6،8 مليار درهم

الاعتماد في مجالات التجهيز اعتمادا يكاد يكون كاملا على القروض الأجنبية التي ينتظر منها أن تغطي نحو 80% من نفقات التجهيز، أي 5،5 مليار درهم، و هي تمثل نحو 25% مليار درهم من المصاريف العامة للميزانية.

و هكذا نرى أن القروض الخارجية استرجعت نفس الدور الذي كانت تلعبه خلال الستينات، و هو إنقاذ توازن الميزانية.

الانخفاض السيء في المدخرات العمومية من جهة، و في نسبتها إلى المداخيل الجارية من جهة ثانية و في نسبتها إلى الاستثمار من جهة ثالثة, و هو انخفاض راجع إلى تجميد بنية المداخيل الجبائية نتيجة رفض المسؤولين الزيادة في الضغط الجبائي على الطبقات المحظوظة و امتناعهم عن جعل المداخيل الضريبية متوافقة مع النفقات العمومية.

تصاعد للميزانية و ديوننا نحو الخارج التي تبلغ هذه السنة 4 ملايير دولار، أي ما يعادل 23% من قيمة صادراتنا من المواد و الخدمات و هي نسبة من المنتظر أن تتجاوز في المستقبل القريب 30%.

أما في المجال الاجتماعي فقد تم الاعتراف مؤخرا، و من أعلى درجات المسؤولية، بتفاقم الفوارق الطبقية و استفحالها. و اكتسى هذا الاعتراف طابع الشعور بالمأساة و الوعي بالخطر. و هذا شيء لم تعد الطبقات المحظوظة الثرية نفسها تستطيع تجاهله أو إخفاءه أو التغاضي عن نتائجه المحتومة، بل لقد أصبحت تعاني اليوم، أكثر من أي وقت مضى، من قلق حقيقي على مصيرها أمام الانفجار الذي تخشى وقوعه بين لحظة و أخرى، مما جعلها تسارع إلى تجميد مشاريعها و تهريب أموالها إلى الخارج، الشيء الذي لا يزيد الوضعية إلا استفحالا و خطورة و تأزما.

و هكذا فعلاوة على البطالة الظاهرة و المقنعة التي تنخر جسم المجتمع المغربي، و علاوة على تجميد الأجور و ارتفاع الأسعار ارتفاعا فاحشا مطردا، عرفت هذه السنة تسريحات جماعية للعمال نتيجة للقلق المتزايد في صفوف أصحاب رؤوس الأموال الذي أخذوا يفقدون الثقة بكيفية جدية في المستقبل القريب بل البعيد، تحت وطأة الأزمة الاجتماعية المتفجرة التي ساهموا باستغلالهم الفظيع للطبقة العاملة، و جريهم وراء الربح السريع، في تغذيتها و تعميق مداها. و بالنتيجة أصبحت سوق العمل موصد الأبواب في وجه كل طارق، فعمت البطالة ليس فقط الكهول و النساء والشباب الأمي الذي يشكل الأغلبية الساحقة من اليد العاملة العاطلة، بل شبحها يهدد حتى تلك النخبة القليلة التي يفرزها تعليمنا ذو الطابع النخبوي الواضح. هكذا يجد الشباب المتعلم نفسه اليوم يطوف بشهادته الثانوية أو الجامعية، الأدبية أو التقنية، فلا يجد سوى الشارع و التشرد يهددان مستقبله و مستقبل عائلته التي تنتظر منه الإعالة و العون. لقد امتلأت الإدارة التي كانت تمتص في السنوات الماضية الأفواج القليلة من المتخرجين حاملي البكالوريا و الإجازة، و اصبح أمثال هؤلاء اليوم يعانون من البطالة و التشرد في المدن و القرى.

و في مقابل هذا الفقر المتزايد باطراد، و هذه البطالة التي أخذت تعم مختلف الفئات و الأعمار، نجد كمشة من المحظوظين الذين يشكلون طبقة بورجوازية طفيلية جشعة تستأثر وحدها بفائض الإنتاج في القطاعين العام و الخاص، و تمعن في توسيع حجم أرباحها على حساب الدولة و الطبقات الشعبية معا : على حساب أداء الضرائب و القيام باستثمارات مفيدة من جهة، و على حساب الأجور و التعويضات الاجتماعية من جهة أخرى. لقد تمكنت كمشة المحظوظين هذه من امتصاص القطاع العام و تسخيره كليا لفائدتها، و بكيفية خاصة بعد عمليات “المغربة” التي شجعت الاستغلال و قننته، مما جعل أملاك الدولة تصبح عبارة عن بقرة حلوب تغذيها الدولة بأموال الشعب و ترعاها بأجهزتها المسيرة و المنقذة لفائدة كمشة من ذوي المال و الجاه و النفوذ تستأثر وحدها بحرثها و نسلها. أما القطاع الخاص فقد كان و لا يزال مرتعا خصبا للمضاربات العقارية و التجارية المربحة الجشعة التي تضرب صفحا بكل خلق و قانون.

و هكذا فسواء نظرنا إلى التفاوت الطبقي الخطير من خلال الدخل أو من خلال الاستهلاك أو من خلال الملكية، فالنتيجة واحدة، و هي أن الفارق بين المستضعفين الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من شعبنا و بين كمشة المحظوظين هذه، فارق عميق و خطير، فالبيانات و الإحصاءات الرسمية تؤكد اليوم :

أن الفرق من مدخول 5% من الأشخاص الأكثر غنى و مدخول 50% من الأشخاص الأكثر فقرا، قد ارتفع خلال الستينات من نسبة واحدة إلى أربعة إلى نسبة واحد إلى اثني عشر. أما اليوم، و حسب التصميم الثلاثي، فإن هذا الفرق سيرتفع إلى نسبة واحدة إلى أربع و عشرين عند نهاية 1980 و إلى نسبة واحد إلى خمسة و أربعين في التسعينات.

أما نسبة دخل العامل إلى صاحب المعمل التي كانت سنة 1960 كنسبة 1 إلى 8 فإنها اليوم كنسبة 1 إلى 55.

أما الاستهلاك الفردي فقد انخفض خلال العشر سنوات الأخيرة بمقدار 10% بالنسبة ل40% من السكان.

و أما فيما يتعلق بميدان الشغل فهناك 250.000 شخص يبحثون عن العمل كل سنة، الشيء الذي يرفع باستمرار من نسبة البطالة التي تصل اليوم في الدار البيضاء وحدها إلى 25%. أما في البوادي فإن الذي يعانون من النقص في التشغيل (البطالة المقنعة) يبلغ عددهم ما بين 700 ألف و مليون شخص. و إذا كانت الهجرة إلى الخارج قد استوعبت لحد الآن ما يقرب من 20.000 عامل مهاجر كل سنة، فإن الأزمة الاقتصادية التي تعني منها الدول المصنعة جعلتها تقفل حدودها في وجه العمال المهاجرين، بل أكثر من ذلك أنها تخطط بجد لطرد أولئك الذين سبق لهم أن حصلوا على حمل هناك.

أما في مجال التعليم فيكفي دليلا على فساد السياسة التعليمية المتبعة عجز نظامنا التعليمي، رغم مرور اثنين و عشرين عاما على الاستقلال، عن تحقيق اكتفائه الذاتي في مجال الأساتذة و الأطر سواء على صعيد الجامعات أو صعيد الثانويان، هذا فضلا عن التقلص سواء النسبي و الخطير في حجمه، و الانخفاض المطرد في مستواه، و الضعف و الانحراف في مضمونه، و الحواجز التي تكرس داخله، و بالتالي داخل المجتمع ككل، النخبوية و الفئوية. و هكذا تؤكد الإحصاءات الرسمية :

أن عدد الأطفال الذين هم الآن في سن التعليم الابتدائي (ما بين 7 سنوات و 14 سنة) يبلغ نحو 3.850.000 طفل لا يوجد منهم في مدارسنا الابتدائية حاليا (1978) سوى 1.887.000 تلميذ. أما الباقي و هو 1.963.000 طفلا فلا مأوى لهم غير الشارع. إن هذا يعني أن 51% من الأطفال الذين هم في سن الدراسة الابتدائية قد حكم عليهم بالأمية المحققة. أما إذا نظرنا إلى عدد الأطفال الجدد الذين قبلوا في السنة الابتدائية الأولى خلال الأعوام الثلاثة الماضية فإننا سنلاحظ أنه عدد جامد أو شبه جامد. إنه يتراوح ما بين 330.000 و 340.000 طفل. و إذا تذكرنا أن عدد سكان المغرب يزداد كل سنة بنحو 4% اتضح لنا أن هناك كل سنة حوالي 400.000 طفل يحرمون من التعليم بصفة نهائية.

أما بالنسبة للتعليم الثانوي فإن عدد الأطفال الذين هم في سن الدراسة الثانوية، أي الذين تتراوح أعمارهم ما بين 14 سنة و 20 سنة، يبلغ نحو 3.037,000 طفل و شاب. و الموجود منهم حاليا في مدارسنا الثانوية لا يتجاوز 602.000 تلميذ. و معنى هذا أن في الشارع الآن، حتى خارج المدارس الثانوية 2.435.000 طفل شاب، و بعبارة أخرى نسبة التمدرس في الثانوي لا تتجاوز حاليا 20% .

و إذا لاحظنا أن الأطفال الذين هم الآن في سن الدراسة الابتدائية و الثانوية، أي الذين تتراوح أعمارهم بين 7 سنوات و 21 سنة، كلهم من مواليد الاستقلال. أما الثلثان الآخران فهما في الشوارع.

o

 

 

إن هذه الحقائق الناطقة تجعل الحديث عن تعميم التعليم هراء في هراء. إننا لسنا أمام برنامج لتعميم التعليم، بل أمام مسلسل لتنمية الأمية و تعميم الجهل. إنها إحدى نتائج السياسة اللاشعبية اللاديمقراطية المتبعة في ميدان التعليم منذ ثماني عشرة سنة. هذه الوضعية الاقتصادية و المالية المتدهورة، و الفوارق الاجتماعية المتفاقمة و السياسة التعليمية التصفوية قد طبعت – و ما كان لها إلا أن تفعل – حياتنا الاجتماعية و السياسية بتوتر شديد يزداد حدة مع توالي الأيام، على الرغم من الاستقرار النسبي الراجع إلى وعي جماهير شعبنا الكادح بالأخطار المحدقة بوحدة ترابنا و الأطماع الرامية لتطويق بلدنا و خنق أنفاسه.

نعم لقد تبنت جماهير شعبنا الكادح قضية استكمال تحرير ترابنا الوطني بصدق و إخلاص و قدمتها على غيرها من القضايا بما فيها قضية قوتها اليومي ففرضت على نفسها سلما اجتماعية في ظروف صعبة عرفت تضخما ماليا خطيرا و ارتفاعا مذهلا ففي أثمان المعيشة. و بدلا من أن تدرك الطبقات المحظوظة هذه الحقيقة و تبادر هي الأخرى إلى التخفيف و لو نسبيا من استغلالها الفاحش راحت تمعن في تعميق مسلسل التفقير الذي تتعرض له الجماهير الشعبية الكادحة، فشنتها حربا اجتماعية استغلالية بشعة امتدت آثارها العميقة و الخطيرة حتى إلى الطبقات المتوسطة التي عانت و تعاني من نتائج المضاربات العقارية و التجارية من جهة، و من تجميد الأجور و ارتفاع الأسعار من جهة أخرى.

هكذا برهنت هذه الطبقات المحظوظة عن افتقادها إلى الحد الأدنى من الحس الوطني و عدم قدرتها على الاتصاف بأخلاق البورجوازيات الوطنية الحقيقية التي تتحمل في العادة و بكيفية تلقائية، نصيبها من المجهود الوطني عندما يتعلق الأمر بقضية وطنية أساسية كقضية التراب الوطني، مفضلة هكذا “ضمان” مصالحها البعيدة بالتضحية نسبيا بمصالحها الآنية. لقد أكدت الطبقات المحظوظة في المغرب و طوال العشرين سنة الماضية بالأدلة الملموسة، عدم قدرتها على التحول إلى بورجوازية وطنية حقيقية، فكسفت عن زيف ليبراليتها و عن هجانة أصلها و رعونة مزاجها و انحراف سلوكها، مثبتة بذلك أنها طبقة طفيلية تأخذ و لا تعطي، تأكل و لا تغرس، مما يجعلها غير قادرة البتة و لو على التفكير في القيام بالدور الذي قامت و تقوم به البورجوازيات الوطنية في البلاد المتقدمة.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

شريط وثائقي يضم مسيرة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال ستين سنة

البيان العام للمؤتمر العاشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – 2017

المؤتمر الوطني العاشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ببوزنيقة 2017: التقرير الأدبي

مشروع المقرر التوجيهي 1: اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العاشر تنجز 14 وثيقة وتقدم 8 عروض وتنظم يومين دراسيين