أجمع مشاركون في الندوة الوطنية حول «الشبيبة الاتحادية ورهان الرقمنة»، على أهمية شبكات التواصل الاجتماعي في العملية التواصلية ما بين أفراد المجتمع، لكن عن طريق التعاطي مع تدفق المعلومات والخطابات بنوع من التعقل والروح النقدية وعدم الانسياق في الاستهلاك الاعتباطي دون استخدام المنطق والعقل.
كما انتقدت هذه الفعاليات الإعلامية والأكاديمية والفنية المتخصصة، من خلال مداخلات في هذه الندوة الوطنية التي نظمتها لجنة الإعلام والعمل الجمعوي المنبثقة عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني التاسع للشبيبة الاتحادية، العبث والميوعة، والتفاهة، التي تطبع شبكات التواصل الاجتماعي من خلال بعض المؤثرين وصناع المحتوى، الذين لايتوفرون على مستوى عال من المعرفة وعلى تكوين أكاديمي يؤهلهم لتمرير خطابات اجتماعية أو اقتصادية أوحتى تجارية.
ونبهت هذه الفعاليات، خلال الندوة الوطنية التي احتضنها المقر المركزي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوم السبت 25 يونيو 2022، إلى عدم الانسياق وراء الصراعات المجانية التي يقودها «الذباب الإلكتروني» من أجل أهداف غير نبيلة ومزايدات سياسوية ضيقة، وضرورة نهج خطاب سياسي ذي مصداقية منطلقه الهوية السياسية والخط السياسي ومرجعيته المعرفية الثقافية والاجتماعية للحزب، والترفع عن خطابات التبخيس مع بعث روح الأمل والثقة في الشباب المغربي.
في مستهل هذا اللقاء، الذي سير أشغاله أنس اليملاحي، عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية، أكد عبدالله الصيبري، عضو المكتب السياسي والكاتب العام للشبيبة الاتحادية، أن هذه الندوة الوطنية تندرج في إطار التحضير الجدي والنوعي للمؤتمر الوطني التاسع للشبيبة الاتحادية الذي نريده مؤتمرا وطنيا نوعيا، يشارك فيه الجميع، خاصة انفتاحه على فعاليات سياسية وإعلامية وأكاديمية متخصصة من أجل تبادل الأفكار والخبرات حتى تتمكن الشبيبة الاتحادية من التوصل إلى نتائج وتوصيات واقعية ومتقدمة ومتنورة وشعبية تستجيب لحاجيات وواقع الشباب المغربي وقضاياه وطموحاته.
وشدد الصيبري، في ذات السياق، على أن موضوع هذه الندوة الوطنية له أهميته وراهنيته في الوقت الحالي باعتبار أن رهان الرقمنة أصبح أحد التحديات الأساسية التي تلعب دورا محوريا في الحياة اليومية للشباب المغربي بصفة خاصة والشعب المغربي بصفة عامة بحكم أن العالم أصبح قرية صغيرة بفضل التطورات التكنولوجية المتسارعة والتحولات التكنولوجية الحديثة.
ومن جانبه استعرض الفنان المغربي عبد الكبير الركاكنة في مداخلة له بالمناسبة حول « التجربة السينمائية: من الشاشة إلى مواقع التواصل الاجتماعي»، التحول الكبير الذي عرفه المشهد السينمائي والمسرحي والفني بفعل جائحة كورونا، حيث تحول الجمهور من الحضور الميداني داخل القاعات السينمائية والمسارح وأمام الشاسات الكبرى إلى مجال الرقمنة والأنترنيت، إذ أصبح يتابع المنتوجات الفنية عن بعد، بواسطة شبكات التواصل الاجتماعية والإنترنت، نفس الأمر عرفته بعض المهرجانات السينمائية التي كانت ملزمة بسبب الحجر الصحي، بتنظيم دوراتها كنسخ إلكترونية عن بعد.
كما تطرق الفنان عبد الكبير الركاكنة إلى ظاهرة بروز بعض المؤثرين، الذين يصنعون محتويات دون المستوى لكنها تلقى، مع الأسف، التجاوب والتفاعل، وذلك راجع إلى عدة أسباب متداخلة ما بين المؤثر والمتلقي، وتوقف عند ظاهرة المنافسة الشرسة اللامتكافئة ما بين السينما والتلفزة وبعض التطبيقات الإلكترونية التي تتيح متابعة الأفلام والمسرحيات داخل البيوت، مبرزا سلبيات وإيجابيات الطرفين.
ومن جهته ألقى محمد لغروس مدير موقع» العمق المغربي» مداخلة حول « المشهد الإعلامي من ظاهرة الإعلام التقليدي إلى ظاهرة الإعلام الاجتماعي»، التي أكد فيها أن كل وسيلة إعلامية واخبارية، لها أهميتها، ولا يمكن أن تلغي وسائل إعلامية أخرى، باعتبار أن الحديث سبق أن قال بنهاية التلفزة والمذياع ومؤخرا القول بنهاية الصحافة المكتوبة، لكن في الأخير تبين أن هذه الأحكام مجرد تنجيمات وتخمينات غير حقيقية.
وأوضح لغروس في هذا الصدد، أن العالم اليوم أصبح يسكن في الهاتف النقال، باعتبار الهاتف النقال smartphone يمكن أن تجد فيه كل شيء وتقضي به كل مآربك، لكن يستدرك مدير موقع العمق المغربي القول ويؤكد أن القديم كان جديدا في وقته، والجديد لابد أن يصبح قديما، إنما المطلوب والسر يكمن في المواكبة والتطور والتجديد.
وأشار كذلك لخاصيات الإعلام الاجتماعي والإلكتروني الذي يمتاز بتفاعل المتلقي ومشاركته، عبر القبول أو الانتقاد للمعلومات، عبر التعليقات والتدوينات، ثم سلطة المباشر القوية التي تنقل الأخبار والمعلومات، متجاوزة القاعات والأدوار، والتي بإمكانها ان تصل إلى عموم المتلقين، وفي آنها وبطريقة مباشرة، ناهيك عن مشاركة شبكات التواصل الاجتماعي في الحياة العامة عبر الضغط والتأثير والتعبئة المقرونة بحرية الرأي والتعبير، فضلا عن تدفق المعلومات بمختلف أنواعها وبشتى الطرق، هشتاغ، فيديو، أوديو، رسائل قصيرة ….
وبخصوص مداخلة محمد الرامي مدير موقع « أنوار بريس» حول « الإعلام الرقمي ورهان إشعاع العمل الشبيبي في ظل الوضع الحالي»، سجل من خلالها أنه لا يمكن الحديث عن الشبيبة الاتحادية وتحديات عصر الرقمنة، من دون التذكير بأن الشباب الاتحادي كان السباق إلى دخول غمار عصر الرقمنة والكثير من الاتحاديين والاتحاديات الشباب أبدعوا وتمكنوا من ولوج العالم الرقمي بكل تجلياته منذ سنوات حتى قبل أن تبرز ضرورة الانتقال الرقمي مع جائحة كورونا.
وذكر الرامي في الإطار باللقاءات التي احتضنتها هذه القاعة بالأساس تحت إشراف القيادة الحزبية، الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر، ثم الكم الكبير من المواقع الإلكترونية وطنيا جهويا ومحليا والتي أنشأها الشباب وأبدعوا واجتهدوا فيها قبل أن يتم إغلاقها مع دخول إلزامية الملاءمة، فضلا عن صفحات منصات التواصل الاجتماعي وقنوات الفيديو التي تعود لشباب اتحادي وتشكل منصات رقمية مفتوحة لمناقشة كل المواضيع اجتماعية ، سياسية وثقافية واقتصادية.
وشدد الرامي على أن الشبيبة الاتحادية خبرت الفضاء الرقمي وتعاملت معه إن في حياتها الاجتماعية الخاصة أو في عملها السياسي لتصريف الأفكار والمواقف وهناك من أبدع في هذا المجال.
وبالموازاة مع ذلك أبرز نفس المتحدث أنه لا يمنع من الإقرار بأن الرهان الرقمي بالنسبة للعمل السياسي والشبابي أكبر من مجرد صفحات ومواقع تؤثث المشهد من دون تأثير حقيقي في تطوير المجتمع والانخراط الفعال في نقاشاته والمساهمة في قراراته.
الرهان الرقمي ليس كما تنهجه بعض التنظيمات من تجييش للفضاء الرقمي وبقدرة صراع سياسي أو مصلحي يتحول الشباب إلى « ذباب الكتروني» ولنا في الأمثلة على ذلك الكثير من الوقائع عندما يتم تحويل النقاش العمومي حول ملف أو مشروع قانون إلى المنصات الاجتماعية لإفراغه من قيمته ومحتواه وتجييش الرأي العام على المسؤول أو الحزب أو المنظمة التي كانت وراءه فيبرز هنا خطاب الكراهية والتبخيس والتسفيه بل أحيانا التخوين والتكفير.
وأضاف الرامي أن الرهان الرقمي أكبر من ذلك بكثير خاصة في ظل الأوضاع الحالية التي أصبحت التفاهة وخطاب التشكيك في كل شيء طاغية بشكل كبير على جميع صفحات وقنوات التواصل الاجتماعي ومجموعة من المواقع المتخصصة في الأخبار الزائفة وتحريف المعلومة.
وأكد الرامي أن رهان الشبيبة الحالي هو كيف يمكن مواجهة هذه الموجة باستثمار الطاقات الشابة خاصة وأن الأمر يتعلق بحزب خارج من رحم القوات الشعبية ويحمل رسالة أجيال مرت به وبصمت تاريخه أو ليس الشباب الاتحادي من يردد في نشيده الحزبي» رسالة جيل لجيل « والآن نحن أمام الجيل الرقمي فكيف سيمكنكم نقل الرسالة الاتحادية في زمن الرقمنة؟
واستعرض الرامي عددا من الأرقام التي تظهر مدى أهمية الرهان الرقمي وصعوبته في الوقت الحالي:
متوسط الوقت، الذي يقضيه يوميا مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و64 سنة، حوالي ساعتين و29 دقيقة.
وقت أكثر من المتوسط العالمي البالغ ساعتين و25 دقيقة، ذلك وفق ما کشف عنه التقرير الرقمي العالمي لسنة 2021.
متوسط عدد الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يمتلكها كل مستخدم بالمغرب ب 5.5 حسابات، مقابل 8.6 حسابات كمتوسط لكل مستخدم لهذه المواقع على المستوى العالمي.
يبلغ متوسط الوقت، الذي يقضيه يوميا كل مستخدم للأنترنت بالمغرب لتصفح الصفحات والمواقع عبر الهاتف، ثلاث ساعات و31 دقيقة يوميا، أي أكثر من المعدل العالمي الذي قدر ب 3 ساعات و22 دقيقة.
يصل معدل انتشار الأنترنت في المغرب إلى 74.4 بالمئة، أي أكثر بحوالي 15 في المائة من المتوسط العالمي، الذي قدر ب 59.5 بالمئة.
هذه الأرقام تبين أن الرهان الرقمي في العمل السياسي والشبيبي أصبح يفرض نفسه بشكل أكبر وهو ما ورد في مداخلات من سبقوني في الحديث. يضيف المتحدث.
وتساءل محمد الرامي في مداخلته: كيف للشباب الاتحادي أن يقود قاطرة الانتقال الرقمي مع المحافظة على هوية الخطاب الاتحادي وتميزه في التحليل والمعالجة والتواصل في مواجهة الأزيز وعدم السقوط في مستنقعهم؟ هنا ولإنجاح المهمة لابد من التأكيد أن الهوية الحزبية تفرض الفرز بين أنواع الخطاب، الحزبي، السياسي بما فيه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي ، هذا التمييز هو الذي سيجعل كسب الرهان الرقمي أمرا ممكنا من خلال صناعة المحتوى وتنويعه بحسب الفئة المستهدفة، فمن دون تخصيص وإبداع في صناعة المحتوى لا يمكن بلوغ الأهداف ونقل الرسالة من جيل لجيل.
وشدد الرامي في نفس الوقت على أن كسب الرهان يستلزم وجود العناصر التالية: القناعة بالانتماء والمهارات الفردية والرصيد المعرفي مع القدرة على الاستيعاب والتحليل لصناعة محتوى يسهل الترويج له، ولكسب الرهان يقتضي التمييز بين نوعين من المهارات التي يجب أن يتقنها الشباب؛ الأولي: المهارات الرقمية، والثانية مهارات الإبحار الرقمي .
فالأولى: تتعلق بالمهارات التكنولوجية وهي عملية تحويل وإعادة عرض المعلومات في صورتها الأصلية (ملفات ورقية، ملفات صوتية، صور…) إلى صيغة رقمية، والتي يمكن استخدامها من خلال أنظمة الحاسوب، بطرق متعددة، وبالتالي يمكن تشغيل كم كبير من البيانات وتمكين المتصفح من الحصول على كل المعلومات المتعلقة بالحزب وشبيبته ومواقفه أمّا الثانية فهي تتعلق بالبحث والترتيب للبيانات، وتقييم موثوقيتها والتمكن من تقنيات الإبحار في العالم الرقمي لنشر المعلومة والمواقف والدفاع عنها.
من جانبه أكد احمد الدافري الخبير في علوم الإعلام والتواصل، من خلال مداخلة له حول « مسألة الفعالية في التواصل الرقمي: كيف يمكن أن تتسع دائرة انتشار المعلومة عبر وسائط الإعلام الرقمية»، أن التو اصل عملية ضرورية في حياة الإنسان، لكن بأي خطاب؟ مبرزا على أن المرء يتواصل مع ذاته ويجس نبضه، ويتواصل مع محيطه.
وأشار الخبير الإعلامي إلى أن الناس تتواصل مع الفضاء بنوع من الحرص، وتتواصل مع الآخرين لكن هنا يمكن أن يحدث المشكل، باعتبار أن العملية التواصلية تتم بمرجعيات، وثقافة وفكر وسلوك مختلفين، لذلك يقول الأكاديمي الدافري من الضروري ضبط العملية التواصلية لكي نربح من وراء ذلك.
وأبرز أنه من أجل أن تنجح العملية التواصلية لابد من وجود خطاب، داعيا في نفس الوقت إلى التمييز بين ثلاثة أنواع من الخطاب التواصلي، الخطاب الاخباري، والخطاب الإشهاري، والخطاب الدعائي.
وأوضح الخبير الإعلامي، أن التوصل هو التقاسم، وبالإمكان الإنسان أن يتقاسم المعرفة والعلم، والحب والود كما بإمكانه أن يتقاسم الجهل والخبث والحقد والكراهية… لذلك دعا الدافري للتموقف من الخطابات التي تسود في العمليات التواصلية لكي يتحقق الربح المنشود.
كما شدد الدافري على أن يكون الخطاب المتعلق بالعملية التواصلية خطابا ذا مصداقية ولا تشوبه شائبة تنعكس سلبا على العملية التواصلية، لذلك من الضروري أن نكون صادقين في خطاباتنا التواصلية، باعتبار أن الأخبار الصادقة يجد فيها المتلقي نوع من الحميمية وتحقيق البطولة لأن الكائن البشري محب للأخبار بغريزته.
وكانت أرضية الندوة قد أوضحت سبب اختيار موضوعها، نظرا لراهنيته ولأهميته، حيث باتت الرقمنة واحدة من الأدوات والآليات المهمة والأساسية لتنمية وتطوير عملية التواصل السياسي في عالم اليوم، وباعتبار الشبيبة الاتحادية منظمة سياسية وقطاع حزبي اشتغل ولايزال يشتغل مع ولأجل الشباب، والرقمنة أداتها التنظيمية أصبحت ضرورة أكثر من أي وقت سابق.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الفريق الاشتراكي يسائل وزير الداخلية حول تخريب الرعاة الرحل لمصادر عيش السكان المحليين باقليم تزنيت

 فرع الحزب بأكدال الرياض ينظم ندوة حول «الدولة الاجتماعية الآفاق والتحديات»

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

الكاتب الأول يستقبل وفد يضم قيادات بالحزب الاشتراكي الألماني وبرلمانيين ومسؤولين بمؤسسة فريديريش ايبيرت .