رسالة الاتحاد

مر جيل من الزمن على توديع قائد اتحادي وطني ديموقراطي فريد، سكن التاريخ كما سكن القلوب والأفئدة، ارتبط اسمه بالكفاح من أجل استقلال المغرب، ثم من أجل الوحدة الترابية، كما ارتبط ، في ميزان واحد على قدر كبير من التلازم، بالنضال من أجل الديموقراطية والعدالة الاجتماعية…
لقد تفرد عبد الرحيم بوعبيد بمسار حافل وغني، لكنه تميَّز بأسلوبه الرفيع في الدفاع عن قيم المشترك الإنساني والديموقراطي مع الحرص على غرسه في التربة الوطنية، بالدفاع عن قيم الحرية والكرامة والمساواة، فوق أرض الوطن الواحد الموحد، تحت مظلة واسعة ميزتها الرئيسية الأخلاق في السياسة وفي احترام التعاقدات والوعود المعلنة…
مر عقد من الزمن وجرت مياه كثيرة تحت كل الجسور، جسور بين الدولة وبين القوى الوطنية، جسور بين المجتمع والحقل السياسي الوطني والجسور بين مكونات الحقل السياسي نفسه وبين المواطن.
وقد عمل بوعبيد بمنطق تجسير الفجوة بين الدولة والمجتمع، عند بناء أسس الدولة المستقلة وربط مستقبلها بمستقبل الشعب الذي حرر سيادتها وأعاد رموزها إلى مغرب الحرية.
وعمل بوعبيد من أجل بناء تاريخ عام، تاريخ وتراث نضالي، على تجسير الفجوة بين القوى الوطنية الديموقراطية والقوى العاملة بكل تمظهراتها، كلما كانت الحاجة الوطنية تستوجب ذلك.
إن دروس سيرة عبد الرحيم كما سيرة رحيله،عبر ذلك الاستفتاء الإنساني الشعبي والرسمي والسياسي، الذي رافق تشييع جنازته، دروس لا تقف عند مرحلة أو جيل من الأجيال، بل هي دروس القادة الكبار، الذين يتجاوز تأثيرهم عمرهم وحياتهم.
بالنسبة للاتحاديين، كان عبد الرحيم هو القائد وهو الأب الروحي والأخ والعائلة، وهي قرابة فكرية وبنوة وأبوة لا تحتاج إلى التمرد عليها لكي نكبر وننضج بعيدا عنها أو بالرغم منها، بل نحيا بها ونستمر ونبدع، كلما جعلناها نبراسا .
ولم يَمِل عبد الرحيم بوعبيد أبدا إلى تقليص هذه القرابة الإنسانية الشاسعة وتقزيمها لكي تكون على قياس الاتحاديين وحدهم، ولو اتسعت دائرتهم لتشمل حدود المغرب كله، بل أرادها أن تكون قرابة فكرية، وليس بيولوجيا حزبية جديدة، فكرية كانت أو عضوية.
الفقيد الكبير، الذي كان موجها ومنظرا وحاضرا عند كتابة التقرير الإيديولوجي، الشاهد على قدرة الاتحاديات والاتحاديين في تحريض الفكر على التجديد، كان يدرك مخاطر خوصصة التراث الاتحادي بأي ذريعة كانت، وهو يميز التقرير الإيديولوجي عن غيره من العلائق التي طبعت بعض الأحيان سير السياسيين في مغرب التناقضات أو شكلت قاعدة للمخزن العتيق في صناعة النخب والتنخيب، وهذا الاحتمال الصعب قد يكمن خطره في إرادة بعدية وبعيدة عن الرسالة الأساسية لعبد الرحيم وآثارها المرجوة في كل مداشر وقرى المغرب، وكل مدنه وأحيائه ومصانعه ومدارسه.
التراث البوعبيدي، وإن كان لا يحب تسمية من هذا القبيل، لا يمكن أن يٌستثمر إلا في بناء الذات الاتحادية بمواصلة الرسالة التي من أجلها كان عبد الرحيم ومن أجلها عمل، رسالة جماعية تروم توفير أفضل الشروط للعمل من أجل الشعب والمستقبل بفعالية.
الجدية والوفاء والاستقامة والالتزام الواعي، والواقعية النظيفة كلها ميزات قائد ومناضل وزعيم اسمه عبد الرحيم بوعبيد ، لم تنل منها كل الامتحانات، حتى وهو يواجه لحظات قاسية في حياته عندما تُرِك وحيدا، إلا قلة من الأوفياء وقلة من المرابطين جعلت الفكرة تنبت وتعلو، والرسالة تتواصل.. وهناك في مساره بعض العزلة التي تكاد تكون وجودية، وجد عبد الرحيم نفسه فيهامؤتمنا على الصمود الاتحادي، ومع ذلك لم يهن ولم يتراخ أو يتراجع…
لقد فضل بوعبيد العمل من الداخل باستمرار، داخل الوطن، عندما كان إغراء الخارج أو شروطه المفروضة يصنع جدليتين، الداخل والمنفى، كما عمل دوما من داخل المؤسسات في ارض الوطن، عندما كانت مساحات الفعل خارجها تغري بالراديكالية والتجذر..
إن العنوان الأبرز في سيرة عبد الرحيم هو الاحتكام إلى إرادة الاتحاديات والاتحاديين، ثم المواطنين والمواطنات والعمل من أجل الدفاع المشترك عن القيم المشتركة، ولم يستعمل هامته النضالية الفذة من أجل التفكيك أواللاستقرار، اللهم إلا من اختار الأرض الحزبية الواسعة بمحض ارادته.
إن الاتحاد الذي يستعد لتخليد الذكرى المئوية لميلاد الفقيد الكبير عبد الرحيم ، في مارس القادم يعرف بأن سيرته واسمه وتراثه يحيون في أعماق الاتحاديين وعموم الوطنيين والديموقراطيين، وهو قوة دفع أساسية في التجديد والسير نحو المستقبل، هو الذي آمن دوما بأن »مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم، وأن مغرب الغد يصنع في حاضر « المغاربة والمغرب، ومن هذا يعتبر الاتحاديون والاتحاديات أن اتحاد اليوم لا يمكن إلا أن يكون وفيا لهذه الرسالة وللتجديد الذي خطه القائد عبد الرحيم …
بوعبيد ربى أجيالا من السياسيين والمناضلين وإن اختلف مع العديد منهم على النقاش المسؤول والجدي والمؤسساتي، النقاش الذي يهدف إلى إنتاج القيمة المضافة نضاليا لتطوير التجربة الاتحادية التاريخية، لا التميز من أجل التميز، أو التميز من أجل المناوشة اللامؤسساتية غير المنتجة….
«الاتحاد الاشتراكي»

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

انعقاد المؤتمر الثامن لإقليم الرباط

خلال التجمع الجماهيري لدعم الاخ محمد ياسر الجوهر بفاس: إجماع المتدخلين على فشل الأداء الحكومي

النائبة مجيدة شهيد تسائل الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية حول خلفيات وقف الدعم المالي المباشر عن بعض الأسر القاطنة بإقليم زاكورة.

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي