د. أحمد العاقد

في طبيعة المقاربة – الجزء الاول

عشرون سنة مرت .. والعشرون سنة المقبلة تلوح في الأفق. وكما يقال، مياه كثيرة جرت تحت الجسر منذ 23 يوليوز 1999، ومن البديهي أنها ستجري بإيقاع مختلف في ما سيأتي من محطات حاسمة، وما ينتظر المغرب من تحديات جسيمة. والأهم أن العد العكسي بدأ، منذ الآن، لتشكل مرحلة جديدة ومهمة في المسار السياسي والديمقراطي لحكم جلالة الملك محمد السادس. إنها مرحلة أساسية لتعزيز التراكم التاريخي للملكية بالمغرب في الفترة الحديثة، وعلى الأقل لإكمال الطور الثالث المتعلق بالإنماء الاقتصادي والارتقاء الاجتماعي، بعد الطور الأول المقترن بالتحرر والاستقلال، والطور الثاني المرتبط بإرساء أسس الدولة الحديثة.
ومن هذا المنطلق، لا يستقيم التفكير في البنية التعاقبية للملكية بمفهوم القطيعة المؤسس على اعتبار أن كل طور لاحق انفصال وتجاوز للطور السابق، بل بمفهوم الاستمرارية القائم على التطور المتواصل وتسلسل الأطوار الثلاثة. ولذلك، سيكون من الطبيعي النظر إلى العشرين سنة الماضية من حكم جلالة الملك محمد السادس، في اللحظة الراهنة، إجراء جزئيا أساسيا لتقييم مختلف محطات الطور الثالث قيد التشكل الكامل. ولذلك، يتعين أن تحرص كل منهجية موضوعية لتحليل العقدين السابقين على الاحتراز عن إصدار الأحكام المطلقة، والقطع مع المنطق الثنائي: كل شيء أو لا شيء، أي كل «شيء تحقق» أو «لا شيء تحقق» عملا بمبادئ «المنطق العائم» Fuzzy logic الملائمة لطبيعة الفكر والعمل السياسيين.
إن المنهجية الموضوعية، في ما نحن بصدده، تقتضي إعمال مقاربة مزدوجة وموحدة: استرجاعية واستباقية، من أجل تمكين الذات المغربية، الجماعية على الأخص، من الوقوف أمام المرآة لتستوعب ما ينعكس عليها من تراكمات موجبة وثغرات سالبة. وبالمعالجة النقدية الهادئة وحدها يتحقق الوعي بأهمية ما تحقق وحدوده، وبأن التطور ضرورة طبيعية تشترط الاستغلال الأمثل للإمكانيات المتاحة والطموح المعقلن في بناء مستقبل أفضل. فالنقطة الفاصلة اليوم بين العشرينيتين، الماضية والقادمة، قد تكون بمثابة منتصف الطريق أثناء القيادة إذ يتطلب الأمر تركيزا ذهنيا صافيا على المشهد الأمامي، والنظر بين الفينة والأخرى إلى المرايا العاكسة، الداخلية والجانبية، لمراقبة القادم من المسافات المطوية والقيام السليم بمناورات التجاوز.
بعد كل هذه المسافة المقطوعة، تمتلك المقاربة الاسترجاعية قيمة كبرى في التفاعل مع العشرينية الماضية من خلال رصد التحولات العميقة للدولة والمجتمع، وتثمين المبادرات الموفقة في مختلف المجالات، وفهم وتحليل الإكراهات الضاغطة المسجلة بين الحين والآخر. كما تكتسي المقاربة الاستباقية أهمية قصوى في الإعداد للعشرينية القادمة من خلال وضع الإسقاطات الضرورية بناء على انعكاسات المكتسبات المحققة، والتخطيط الاستراتيجي لما ترغب فيه الملكية من تعزيز للموقع السياسي والمجتمعي وتجديد الوظائف والآليات، ولما ينبغي أن يكون عليه مغرب 2040. على أن المؤشر الطبيعي في إعمال المقاربتين معا في الحديث عن قيادة جلالة الملك محمد السادس للمملكة المغربية ينبغي أن يأخذ في الحسبان المعنى الذي قصدناه من الطور الثالث للملكية الحديثة.
بناء على ذلك، ومن أجل إجراء تقييم موضوعي، يتجلى الأساس المعتمد بالنسبة للعشرينية الماضية في الالتزامات والأهداف التي حددها جلالة الملك في الخطابات الأولى لتربعه على العرش، ويتمثل الأساس الذي سيحكم العشرينية القادمة في التوجهات الكبرى التي أعلنها جلالته خلال السنتين الأخيرتين، وخاصة في الخطاب السامي بمناسبة عيد العرش الأخير. بهذا الشكل، سيكون تقييم التدبير السياسي بالنظر إلى الأهداف المحددة ومدى بلوغها أو مسوغات العجز عن الوصول إليها، وسيكون الحكم على ما تحقق وما لم يتحقق متزنا ومؤسسا على معطيات واقعية سنكتفي برصد بعضها لأن المقام لا يتسع للخوض في التفاصيل.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..