إن الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، الذي يسجل باعتزاز النقاشات العميقة والمداولات المسؤولة، التي امتدت على مدى شهور، مع الحزب الإشتراكي والحزب العمالي، والتي اسفرت عن قرار الوحدة الإندماجية، طبقا لمنهج الديمقراطية الداخلية، والتزاما بقوانينها الأساسية و بقرارات اجهزتها ذات الصلاحية، واحتراما للقانون المنظم للأحزاب، وتعتبر ان ما تحقق لحد الآن هو كخطوة كبيرة، في اتجاه جمع شمل العائلة الإتحادية و توحيد قوى اليسار.

ويعتبر أن القرار تاريخي، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وأنه لم يكن ليتم لولا قيام كل طرف بنقد ذاتي جريء، سواء تعلق الأمر بالمشاكل التنظيمية التي قادت الى تباعد فعلي أو بتقييم مجمل الخلافات سياسية، خلال السنوات الماضية.

لكن الهاجس الكبير الذي قاد هذه الخطوة، كان بالأساس هو التجاوب مع إرادة المناضلين، الذين طالما اعتبروا، أن الوفاء لشهداء و ضحايا الحركة الإتحادية، يحتم إنهاء حالة التشتت و يفرض التوجه نحو الوحدة، من أجل تحقيق الأماني النبيلة التي ضحى من أجلها عشرات المناضلات والمناضلين، منهم من إستشهد و منهم من عذب وسجن ومنهم من قضى حياته في المنافي، بعيدا عن أهله ووطنه.

وفاءا لهذا التاريخ، وإخلاصا لهذه الأرواح الطاهرة، التي نذكر من بينها الشهداء: المهدي بنبركة وعمر بنجلون ومحمد كرينة، نعلن، اليوم، ان حزبنا لا يمكن ان ينسى الدور الكبير الذي لعبته الحركة الإتحادية، بكل مكوناتها، من شخصيات تنتمي للحركة الوطنية، ورموز للمقاومة، وزعماء سياسيين ومناضلين رواد في العمل النقابي، ومثقفين من الصنف الرفيع، وشبابا ونساءا من خيرة ما جاد به الوطن، كلهم قادوا أو ساهموا في النضالات الكبرى التي شهدتها بلادنا، منذ السنوات الأولى للإستقلال، والتي شكلت سدا منيعا ضد ألإستبداد و التسلط، وظلت منارة في كفاح و نضال شعبنا.

إننا و نحن نحيي الوحدة الإندماجية، نؤكد ان مرجعيتنا ظلت مشتركة، لأننا كلنا متشبعون بالإجتهادات النظرية و السياسية التي أنتجت إستراتيجية النضال الديمقراطي، سواء من خلال الوثائق المؤسسة، او من خلال النص التاريخي للتقرير الإيديولوجي، مما جعل من الحركة الإتحادية، مدرسة حقيقية أغنت الفكر السياسي و الثقافة و النظرية الإشتراكية في المغرب و العالم العربي.

إن تاريخنا المشترك، على مختلف هذه الواجهات، يؤهلنا للنجاح في هذه الخطوة الجبارة، التي لم تأت فقط للجواب على خطر المد الرجعي، الذي يهدد بلادنا، بل بالأساس، لأن الشعب المغربي ينتظر ممارسة سياسية جديدة، تقوم على نبذ الذاتيات و الترفع عن المصالح الضيقة، و تتوجه نحو خدمة الأجيال الشابة التي تتوق الى مغرب حداثي، تسوده العدالة و تقاليد النبل في السياسة و في الخطاب و الممارسة.

إذن فوحدتنا، بهذا البعد التاريخي و الأخلاقي، ليست مجرد تراكم كمي تنظيمي، بل هي خطوة نوعية، لأنها، أولا، تمثل نضجا في الثقافة السياسية، فالإختلاف في الآراء و التنوع في المشارب، لا ينبغي ان يجر إلى التشردم، بل يمكن للجميع التعايش في إطار واحد، و على الإطار نفسه ان يتغير، إذا دعت الضرورة لذلك، عبر حوار جماعي و اتفاقات مشتركة، حتى يستوعب كل المشارب و الرؤى و الإختلافات.

و تكمن نوعية الخطوة، ثانيا، في انها تقدم نموذجا جديدا في كيفية تدبير الخلاف، لأن خصوبة الفكر في معالجة قضايا، و تعدد الآراء في التعامل مع ظرفيات، و تنوع التحليلات تجاه مسائل تاكتيكية، لا ينبغي ان يلغي وحدة الأهداف الإستراتيجة، التي تجمعنا.

إن حدة الإختلافات، قد تكون ضرورية من اجل إغناء المقاربات و تنويع التحليلات، فبهذا الجدل نقترب من الحقيقية، و لذلك، فبقدر ما ينبغي ان نظل حريصين على التنوع، بقدر ما ينبغي ان نعود الى روح الحركة الإتحادية، التي كانت و ماتزال، منذ ميلادها، بيتا كبيرا منفتحا، تتعايش فيه العديد من التوجهات، مما زاد من قوتها، و حولها الى مشتل لا ينضب من المناضلين، داخل كل القطاعات و الجهات، في مختلف الميادين السياسية و النقابية و الثقافية و الجمعوية.

إن الإتحاد الإشتراكي لقوات الشعبية يعتبر أن كل هذا الثرات النضالي و الفكري، الذي يجمعنا، سيسهل و ييسر عملية الإندماج، لأننا ننهل من نفس العين، و تعلمنا في نفس المدرسة. و ما نقوم به اليوم، يشكل لبنة أخرى، بعد تلك المبادرة النبيلة، التي بنيناها مع إخواننا، في الحزب الإشتراكي الديمقراطي، التي تمثل خطوة رائدة في اتجاه بناء الحزب الإشتراكي الكبير، كإطار يوحد أغلبية الطاقات اليسارية.

و إنطلاقا من هذه الثقافة السياسية الجديدة، التي نواصل تعزيزها حاليا، نؤكد أن وحدة اليسار قد تتخد أشكالا تنظيمية متعددة، فليس هناك أي قالب جاهز، نريد وضعها فيه. ما نصبو إليه هو ان تتوحد الطاقات التي تتشابه في مرجعياتها النظرية، و تتقارب في توجهاتها السياسية، بهدف تنسيق جهودها و توطيد مكانتها في المجتمع، لمواجهة المشروع المجتمعي الرجعي اليميني، والرأسمالية المتوحشة، وتحقيق الديمقراطية والأهداف الإشتراكية.

و لتعزيز هذا الطموح، فإن حزبنا يؤكد انها تسعى إلى خلق جبهة ديمقراطية إجتماعية حداثية، مع كل القوى السياسية التي تساهم في هذا المشروع، و مع كل الطاقات النقابية و منظمات المجتمع المدني، و الحركات الشبابية و النسائية و كل الكفاءات العلمية و الثقافية و الفنية، التي تريد تحقيق الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان.

هذه المنطلقات و هذه المرجعيات و هذه الأهداف، هي التي قادت خطواتنا و برنامجنا النضالي، الذي يعتبر في شقه السياسي أن تفعيل الدستور و تأويله بشكل ديمقراطي، يجب أن يكون على رأس الأولويات. فمسؤولية الحركة الإتحادية، رفقة قوى اليسار و الحداثة و كل التقدميين، هي إنجاح الإنتقال نحو الديمقراطية.

و بموازاة هذا الملف السياسي، نضع أيضا في مقدمة برنامجنا، الدفاع عن الحقوق الإجتماعية للجماهير، التي تواجه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أزمة إقتصادية خطيرة، نتيجة سوء التدبير و الإرتجال في القرارات و انعدام الكفاءة في معالجة ملفات حيوية، مما ينعكس سلبا على أوضاع الشعب و على مستقبله في التنمية و التشغيل والتعليم و الصحة و ألإستقرار.

لذلك نراهن على أن يكون خطوتنا الإندماجية الأثر البالغ نحو تحضير الأجواء الإيجابية لتوحيد الحركة النقابية، التي تمثل ذرعا أساسيا للدفاع عن القدرة الشرائية للجماهير وحماية الشغيلة وصيانة كرامتها و حقوقها النقابية و الإجتماعية و الإقتصادية.

إن وحدتنا الإندماجية تدعم، بشكل واضح، القوى الحداثية، التي تعارض المشروع المجتمعي الذي تحاول القوى الرجعية فرضه على بلادنا، لتعود بها الى نموذج ماضوي يسوده التزمت الإجتماعي و الإنغلاق الفكري و المنهج التكفيري و الإجهاز على حقوق النساء، أي كل ما يناقض مع ما نريده لبناتنا و أبنائنا من إنخراط شامل في مجتمع المعرفة والعقلانية والمشاركة في الحضارة الإنسانية، المعتمدة على سيادة العلم و حرية الفكر والإبداع.

وبالإضافة الى أننا نستوحي توجهنا من الثراث الإنساني العالمي، فإننا نعتبر أن في تنوعنا الثقافي، وتاريخنا، من انتماء، للمذهب المالكي و للأمازيغية والعربية والحسانية والإفريقية والأندلسية والمتوسطية والعبرية، مؤهلات كبيرة لدعم التعددية والتنوير وبناء الإنسية المغربية الحداثية، الديمقراطية و المتسامحة.

اما فيما يتعلق بالتحديات التي تواجهنا على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإن عائلتنا الإتحادية، التي شكلت أحد الإمتدادات الأساسية لحركة النضال ضد الإستعمار، والتي ربطت دائما بين تحرير الأرض والإنسان، تؤكد أن الكفاح من أجل استكمال الوحدة الترابية، ينبغي ان يوضع ضمن القضايا الكبرى في برنامجها، لأن ما يتهدد الوطن من محاولات التمزيق، ليس سوى مسلسل متكامل، يهدف الى زرع الفتنة في المنطقة العربية والمغاربية، من أجل مواصلة عملية التجزئة و تذكية النعرات الطائفية و القبلية وتقوية شوكة العنف والتطرف، خدمة لمخططات الهيمنة الإمبريالية و حماية الكيان الصهيوني العنصري.

وتجاوبا مع مبادرة الإندماج، يعتبر حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية انه من الضروري القيام بعدة إجراءات أخرى، تتمثل الشروع في حل الأحزاب المندمجة، طبقا للقوانين والهياكل المنظمة، ومواصلة مسلسل الوحدة، سواء على صعيد القيادة او على صعيد القطاعات و الجهات والأقاليم، وعلى مستوى التنظيمات الموازية والشبه جماهيرية، وذلك بوضع برنامج واقعي، يجعل من الإندماج عملية متواصلة، حتى تنتهي الى تحقيق اهدافها.

اليوم، نعلن اننا حققنا جميعا خطوة هامة، نحو وحدة قوى اليسار والحداثة واليمقراطية، لأننا نرسم خريطة طريق مبدعة، ذات أبعاد سياسية وتنظيمية، تشكل قطيعة مع نزوعات التشرذم والصراعات الجانبية، و تضعنا في الطريق الصحيح لنتجاوب مع طموحات مجتمعنا، وخاصة أجياله الشابة، التي تتطلع إلى دور بناء للنخبة و الى ثقافة سياسية جديدة، تركز على معالجة المشاكل الحقيقية للشعب و للوطن، و هو ما نواصل وضع لبناته الحقيقية ونحن نثمن الوحدة الإندماحية بين بنات و أبناء الحركة الإتحادية.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الفريق الاشتراكي يسائل وزير الداخلية حول تخريب الرعاة الرحل لمصادر عيش السكان المحليين باقليم تزنيت

 فرع الحزب بأكدال الرياض ينظم ندوة حول «الدولة الاجتماعية الآفاق والتحديات»

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

الكاتب الأول يستقبل وفد يضم قيادات بالحزب الاشتراكي الألماني وبرلمانيين ومسؤولين بمؤسسة فريديريش ايبيرت .