من أكثر المحطات الانتخابية المثيرة للجدل في تاريخ السياسة المغربية في العشرية الثانية من القرن الواحد و العشرين، بالجنوب المغربي، كانت لحظة إعادة الانتخابات البرلمانية، في إقليم سيدي إفني، شهر ديسمبر عام 2017، بعد عزل غير مفهوم، و غير مؤسس على مبررات قانونية مقنعة، و ديمقراطية واضحة، و مستساغة… للبرلماني الاتحادي محمد بلفقيه، حيث شهد المغرب أحد اكبر التحالفات الحزبية و الإدارية و المالية ضد مرشح الاتحاد الاشتراكي في هذه الانتخابات الجزئية لعام 2017، اتفقت كل الأحزاب و من جميع الاتجاهات على عدم تقديم أي مرشح ، بل زادت و دعمت المرشح المنافس للاتحادي بلفقيه، الذي كان هو مرشح حزب التجمع الوطني للأحرار مرة أخرى….
عزل اعتمد على أن بلفقيه أثناء حملته الانتخابية البرلمانية، وزع كتيبا فيه حصيلة ولايته الانتخابية في البرلمان،و صورة رمز البرلمان و قاعة البرلمان ..! و لنفترض جدلا أن ذلك كان صحيحا ! فهل يعقل أن المواطنين المغاربة يصوتون على المرشحين لمجرد صورة… ( بمعنى أن المغاربة إذا أردت أن تقنعهم بالتصويت عليك فعلى برنامجك الانتخابي أن يتضمن  صورة البرلمان ! )
قرار عزل يستغبي المغاربة ويتعامل معهم وكأنهم من ديمقراطيات الموز، أو يعيشون في الحجر الحجري قبل اكتشاف الصورة …
مع الإشارة إلى أن طعونات من هذا القبيل وأكثر منها بكثير، لم يقبلها المجلس الدستوري على طول خارطة الوطن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا !
قرار عزل مفهومة نوازعه وأسبابه، ولنذكر قراءنا بأن عزل أو سجن المنتخبين أبناء الحركة الاتحادية، أو أعضاء حزب اتحاد القوات الشعبية، أمسى تقليدا متواصلا طيلة ستين عاما ( محمد شوقي و محمد الوحداني و بلفقيه محمد ) ولعجائب العبث السياسي، وانتهاك حرمة المنهجية الديمقراطية في التجربة المغربية، أن صناديق الاقتراع و جماهير الشعب، تفرز وتختار وأبناء الحركة الاتحادية أو أعضاء حزب اتحاد القوات الشعبية، وبعدها يتم عزلهم وسجنهم بعد انتخابهم، وينصب بعدها خدام التيار الثالث في الأحزاب المعلومة و تحديدا التجمع الوطني للأحرار، رؤساء أو برلمانيين :
– محمد شوقي ابن الحركة الاتحادية، تم سجنه و الضغط على نوابه في رئاسة بلدية سيدي إفني، وتهديدهم بالاعتقال، فالتحقوا جميعا بالتجمع الوطني للأحرار .
– محمد الوحداني ابن الحركة الاتحادية، تم عزله من رئاسة بلدية سيدي إفني، والتفاوض معه على الالتحاق بحزب معلوم من التيار الثالث !  أو أنه سيتم سجنه، و ذلك ما حدث بالضبط بعد رفضه للتهديد و الابتزاز و الإغراء… فتم فبركة ملف له على المقاس، قضى بعدها عاما من السجن، و لم يغادره حتى مرت انتخابات عام 2015 !
– محمد بلفقيه الاتحادي تم عزله عنوة من عضوية البرلمان، وقد كان كل ذلك حلقة من مسلسل معركة طاحنة بين الاتحاد الاشتراكي في شخص قائده بجهات الصحراء بلفقيه عبد الوهاب، و بين حزب التجمع الوطني للأحرار، و رغبته في التحكم في إحدى جهات الصحراء، ما دامت الجهات الجنوبية الصحراوية الأخرى خطيرة جدا، و اللعب بها ومع منتخبيها الأقوياء سيخل بالتوازنات الإستراتيجية الكبرى للوطن من جهة ( و آخر درس كان قبل انتخابات 2011 حيث إن محاولة أحد الأحزاب السياسية الاستقواء ببعض أذرع التيار الثالث من داخل الدولة، لتغيير المشهد السياسي و الانتخابي، أوشك على أن يخلق فتنة لا تبقي و لا تذر ! لكن الاستقواء على الحركة الاتحادية و على عبد الوهاب بلفقيه زعيم حزب القوات الشعبية في الصحراء، ستكون عواقبه متحكما فيها، حيث إن بلفقيه في كل الأحوال لا يؤمن بلي ذراع الدولة، أو المزايدة عليها، لا هو و لا حزب القوات الشعبية و لا الحركة الاتحادية عموما….
هنا بدت لمنافسه حزب التجمع الوطني للأحرار، أن مغامرة سحقه سياسيا و انتخابيا احتمال غير خطير، و من الممكن قبوله من طرف جهات ما…. إذن فجهة كلميم واد نون إحدى جهات الصحراء الثلاث تبقى غنيمة محمودة العواقب، و بلفقيه عبد الوهاب حتى إذا رفض الاستقواء عليه ، فإن فبركة الملفات القضائية و توظيف بعد المؤسسات الرسمية ، تظل فزاعة صالحة دوما ضده و ضد الحركة الاتحادية، و ضد الباعمرانيين تحديدا فهي خطة مجربة لمدة ستين عاما….
لكن هذا الحزب المعلوم و نتيجة قراءة خاطئة للمرحلة،  تتناسى هذه المرة، أن الماء غير الماء،  و الجيل غير الجيل، لأنه هذه المرة لم يقصد فقط حركة حزبية قوية داخليا و خارجيا، وحلفاء قبليين أقوياء، لكن أيضا قبيلة صحراوية من أقوى القبائل الجنوبية، قد تتفق أو تختلف مع بلفقيه و الدرهم، لكنها فهمت من خلال مايحاك و يجري، بأن هذا الحزب يخاف من ردة فعل القبائل الصحراوية الأخرى، و يتوهم أن أبناء قبائل آيت باعمران حائط قصير ! حتى إن أشد المختلفين من أبناء آيت باعمران يقولون : إذا أراد هذا الحزب أن يتنافس مع بلفقيه و الدرهم، فليكن ذلك في الصناديق الانتخابية، لكن أن يعمل هذا الحزب على توظيف بعض مؤسسات الدولة و بعض أجهزتها ضدهم ، بل أكثر من ذلك أن يحتقر قبيلتهم وسط كل القبائل الصحراوية، و بين كل الأحزاب، و بين كل المغاربة ! فذلك غير مقبول لن يسكت عليه أي واحد منهم… و قبائل آيت باعمران التي لم تقبل ذل اسبانيا أعوام 1947و  1957،  و فرنسا أعوام 1909 و 1912 و 1917، و كل محاولات المس بكرامتهم منذ قرون مضت من قبل الإنجليز و الألمان و البرتغال ، و القايد حيدا أومايس، و القايد الكلاوي ، و الجينرال أوفقير، و الوزير القوي ادريس البصري…..و هذه دول أجنبية بقوة سلاحها و عتادها الذي أرهب العالم… و رجالات دولة ملكوا ليس فقط السلاح و المال، فكيف بحزب ما لا يستطيع أن يتحكم حتى في بواب مقر حزبه…..
لقد وصلت جرعة الجرأة  هذه السنوات و الأيام الأخيرة إلى حد عيل صبر الاتحاديين و قبائل الجنوب المغربي من مثل هذه التصرفات :
– فتح ملف لبلفقيه عبد الوهاب  الباعمراني .
– فتح ملف لحسن الدرهم الباعمراني .
– عزل عيلا أحد أقوى حلفاء بلفقيه في جهة كلميم واد نون،  و لمرتين من عضوية البرلمان .
– فتح ملف قضائي للرزمة أحد المعادلات القبلية القوية و حليف  حسن الدرهم في جهة العيون .

أصل الحكاية :

إن معركة استنزاف حزب القوات الشعبية في القرن الواحد والعشرين، بدأت ملامحها في جهة كلميم واد نون تطفو أكثر على السطح منذ سرقة نتائج الانتخابات الجهوية لعام 2015 ، فبعد سيطرة كاسحة و مدوية للانتخابات الجهوية و البلدية و الإقليمية و مختلف الغرف التي سيطر عليها حزب القوات الشعبية و حلفاؤه، تم تهريب الرئاسة التي كانت النتائج النهائية كلها تشير إلى أن الاتحادي بلفقيه عبد الوهاب هو من ستؤول إليه دفتها…لكن مياه التيار الثالث جرت تحت قنطرة صناديق الاقتراع….
آلت اغلب مقاعد البرلمان في جهة كلميم واد نون إلى حزب القوات الشعبية( عبد الوهاب بلفقيه، و محمد بلفقيه، و أنازوم الحبيب، و عبا محمد )، كما أن   رئاسة المجالس الإقليمية  لسيدي إفني و كلميم ( اثنان من أربع المشكلة للجهة ) كانت من نصيب الاتحاد الاشتراكي، و رئاسات بلدية كلميم و اسا و بالنسبة لبلدية سيدي إفني تم التنازل عنها…… ( ثلاث  عواصم أقاليم جهة كلميم واد نون من أصل أربعة ) هذا دون الحديث عن أن أغلب رئاسات الجماعات القروية و رئاسة الغرف ( الفلاحة و التجارة و الصناعة التقليدية و الخدمات…الخ ) كلها تربع عليها كرسى رئاستها أعضاء الاتحاد الاشتراكي….
سرقت الرئاسة من حزب القوات الشعبية فجر يوم انتخاب رئيس جهة كلميم واد نون، كانت الأغلبية محسومة لصالح الاتحادي عبد الوهاب بلفقيه، لكن هاتفا توصل به أحد أعضاء الأغلبية، في فجر ذلك اليوم غير كل شيء، و رهن جهة كلميم واد نون السنوات الست لولاية 2021/ 2015 ، الأغلبية لصالح الاتحاديين و حلفائهم ، و الرئاسة مرهونة لدى الأقلية، و مازال الأمر كذلك…
انسحب عضو ( بسبب التيار الثالث ) من تحالف أغلبية يشكل فيها الاتحاد الاشتراكي أكثر من 60 %، إرادة الشعب أعطت الأغلبية للحركة الاتحادية، لكن التيار الثالث كما العادة، و هواتفه و مصالحه و حساباته، بدل احترام إرادة الشعب و نتائج الانتخابات، و المنهجية الديمقراطية، أفسد كل شيء….
فماذا كان موضوع ذلك الاتصال ؟  و ماذا وقع صبيحة ذلك اليوم ؟ يوم انتخاب رئيس جهة كلميم واد نون، بعد تعديلات جوهرية مست الميثاق الجماعي، و قوت من اختصاصات رؤساء الجهات، و جعلت من هذه المؤسسة الدستورية، آمرة بالصرف، و مستقلة بشكل كبير عن الواقع السابق، الذي كان فيه منصب رؤساء الجهات مجرد برتوكول و صفة رمزية….
رن الهاتف الليلي، و تغير وجه صباح جهة أخرى… ماذا وقع فجر ذلك اليوم؟….يتبع