حذارِ من تدعيش التعليم رسميا!

نحن نعلم أن هناك عملا إخوانيا ميكيافيليا، وسلفيا وهابيا، وطرقيا خرافيا ينخر التعليم العمومي من الداخل نتيجة عمل أفراد مربوطين بشبكات جعلت من مؤسسات الدولة أوكارا لها،ونحن نرى الكثير من مؤطري هذا السوس الناخر من غربان الدعاة الميكيافيليين يعتلون منابر مدرجات الجامعة لنشر الكراهية وحث الشباب على المغامرة،كما سمعت أخيرا في “محاضرة” لقيادي في حزب العدالة التنمية (المقري الإدريسي) كرسَها لتعميق الحقد والكراهية ضد الديانات الأخرى المسيحية واليهودية، وذلك فضلا التشويش على العلم بترهات لا أساس لها، نعود إليها لاحقا. وذلك كله بعنوان خادع: الحوار أفقا للفكر.

هذه أمور نعلمها، ونعلم أن جهات في الدولة تنسق عمل بعض “الفقهاء الدعاة” لتأطير هذا التوجه، ونعلم أنها تغض الطرف على المكفرين والمتعطشين إلى الدم، مثل أبو النعيم، وأمثاله كثير.

كل هذا نعلمه ونحاول مقاومته فكريا وثقافيا بما تيسر من جهد فردي…الخ، ولكن الذي لم يكن ليخطر لنا على بال هو أن تمارس الدولة نفسُها عبر أجهزتها الجماعية المراقبة، عبر أكاديمياتها ولجن امتحاناتها تخريب عقول الناشئة، عقول الأطفال والمراهقين كما ترى في الوثيقة صحبته:

رابط الوثيقة في تيل كيل http://telquel.ma/2015/06/22/quand-ecole-assimile-lutte-droits-de-homme-incivilite_1452915

الوثيقة ورقة امتحان تخير الطفل المغربي بين أن ينسب للحقوقيين كل المساوئ والوساخا المادية والمعنوية وبين الرسوب! فالسؤال حاسم: إما أن يدين الحقوقيين باسم الدين، وإما الرسوب. هذه جريمة. فمن كان له رأي إيجابي في الحركة الحقوقية مقصي من المدرسة المغربية، هذا صريح، لا يحتاج لأي تأويل.

هذا نص السؤال:

“أثار انتباهك بروز مجموعة من الظواهر السلبية داخل مؤسستك، مثل: العنف، والتدخين، والتحرش، والكتابة على الجدران، وتخريب التجهيزات، ورمي الأزبال في غير أماكنها؛ مما يدل على وجود انحرافات نفسية وسلوكية في صفوف بعض المتعلمين، فقررت، بمعية زملائك في نادي الإعلام الأخذ بزمام المبادرة، والانفتاح على باقي الأندية، مثل: نادي الصحة، ونادي البيئة، ليوضع برنامج عمل للتحسيس بآثار هذه الظواهر على نجاح المدرسة في مشروعها التربوي، شعاره: “وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين”.

وأثناء تنفيذ البرنامج لاقيتم اعتراض بعض التلاميذ في النادي الحقوقي، بدعوى أن هذه التصرفات تدخل في إطار الحريات الفردية، والحق في التعبير عن ذلك”.

أي نذالة تسمح لرجل تربية أن يزج بالصغار في هذا الموقف الأصولي المتخلف الذي يغرس فيهم معاداة شيء يسمى الحقوق؟ أي نذالة تسمح لرجل التعليم أن يجعل الحركة الحقوقية راعية للوساخات والانحرافات؟

هل تعلمون ما هي؟

إنها النذالة التي جعلت طالبا جامعيا تونسيا يتسلل إلى الشاطئ بلباس استحمام يبعد الشبهة، ليطلق الرصاص الحي على أجساد آدامية تستحم على الشاطئ مجردة من أي وسيلة للدفاع عن النفس.

إنها النذالة نفسها التي جعلت مهندسا مغربيا، يوقف طموحه الحياتي وطموح عائلته، ويتوجه إلى ساحة الهديم بمكناس ليفجر قنينة غاز أمام حافلة السياح.

إنها النذالة نفسها التي تتسلق مدرجات جامعاتنا اليوم، بل ومنابر بعض مساجدنا، أو زوايانا لتوغر قلوب الشباب وتملأها بالحقد على الآخر المختلف، سواء كان من أبناء الوطن أو من غيرهم.

والذي يرفع اليوم لافتة: لا للبيكيني، ولا يجد من يوقفه عند حده سيتوجه غدا لينال أجرَ “أقوى الإيمان” مستعملا يده أو سلاحه.

من الأكيد أن من وضعوا هذا السؤال، ومن أجازوه، ومن راقبوه، ومن صححوه ونقطوه، متواطئون جميعا على هذه الجريمة بعد أن أعدوا لها عدتها. وعدتها أمران:

أولهما: تلقين التلاميذ مادة تقول بأن الحقوقيين هم حماة كل الأوساخ والانحرافات،

وثانيهما: ضمان سكوت أجهزة الدولة عن الاستنكار، وإحجامها عن العقاب. لا بد من وجود هذين الشرطين لطرح مثل هذا السؤال المخرب لعقول أطفال المغرب.

كان المرحوم السوسيولوجي محمد جسوس قال بأن الجامعة المغربية تمارس التضبيع فثارت ثائرة الممارسين، وها هم اليوم ينزلون إلى المستويات الدنيا لممارسة التدحيش تمهيدا للتدعيش الذي سيتكفل به دعاة البذاءة والجهل.

من المؤسف أن المخزن، أو جهات منه، مازال يراهن على الأصوليين لقمع مطامح التحرر والديمقراطية، وأن الطريق إلى ذلك هو استئصال أي دعوة حقوقية ذات نفس اشتراكي أو ليبرالي حقيقي، وهو لا يدري أن بعض المقنعين بلقب “العالم” الذين يُعول عليهم في هذا المجال هم من ينشر الفيروسات والطفيليات ليبيع المضادات والمبيدات بعد ذلك. وسيأتي يوم تتمرد فيه تلك الفيروسات والطفيليات عن كل مضاد ومبيد. كما تمردت القاعدة وبناتها على سلطة السلفية الوهابية.

لا ينبغي التعويل على يقظة الأجهزة الأمنية، وهي مشكورة على الجهود المضنية التي تقوم بها لاستباق الجريمة، بل ينبغي اجتثات الداء فكريا من أساسه. ينبغي حماية طفولة المغرب وشبيبته من الفكر الظلامي الحاقد الناشر للكراهية، فالنتيجة ما سمعتم يوم الجمعة الماضي: تفجيرات في فرنسا، وتونس، والكويت، في نفس الوقت. لا تستطيع أي دولة حين تفقد هيبتها ويجترئ عليها المتطرفون أن تحمي كل زقاق أو شاطئ أو مؤسسة…الخ. فاحذروا اللعب بالنار، فمن كفر خصمك اليوم كفرك غدا. لا تعولوا على منطق زنك زنك!

الأمر يبدأ بالطمع في الحلول محل الدولة، تحت قناع الحسبة والأمر بالمعروف، كما وقع مع تنورتي أكادير (حيث أقحم القضاء فيما لا شأن له به)، وينتهي بإطلاق النار والتفجير. اللهم اشهد.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..