علي الغنبوري

لا يختلف اثنان على الادوار الكبرى التي لعبها الإتحاد الاشتراكي في مسار البناء الديمقراطي للمغرب الحديث ، فالحزب شكل على امتداد تاريخه منصة شعبية حقيقية للتغير و التجديد و النضال من أجل الكرامة و الحقوق .

الاتحاد الاشتراكي خبر المنعطفات و المحطات التاريخية للمغرب و ساهم بقوة في كل احداثها و فصولها ، مساهمة كلفت مناضليه و مناضلاته ، السجون و الإغتيالات و التضحيات الجسام ، من اجل حمل لواء الحرية و الديمقراطية في زمن كان القمع و الرصاص هو الحكم و الفيصل في تدبير الشأن السياسي .

قوة و تجدر الإتحاد الإشتراكي لم تتجلى فقط في صلابة مواقفه و نضالاته المريرة ، بل تجلت كذلك في قدرته على انتاج الأطر و الطاقات و الكفاءات المجتمعية المتميزة ، التي شكلت على الدوام البدائل المتاحة و القادرة على قيادة الشأن العام وفق تطلعات و امال المغاربة .

التزام الاتحاد الاشتراكي اتجاه الشعب المغربي هو من دفعه الى ترك كل الحسابات و المصالح الحزبية الخاصة، للانخراط في تجربة التناوب ، لانقاذ المغرب من السكتة القلبية التي اعلنها صراحة الملك الراحل الحسن الثاني ، تجربة مكنت المغرب من إعادة توجيه مساره نحو الديمقراطية و البناء المؤسساتي السليم .

انتقال الاتحاد الاشتراكي من المعارضة إلى تدبير الشأن العام ، لم يكن مبني على طموحات الهيمنة و التفرد و الابتزاز ، و البحث عن مقابل سنوات النضال و التضحية ، بل حركه هاجس واحد فقط هو تسريع وتيرة الاصلاح و تكريس قيم الديمقراطية و ارساء دولة الحق و القانون .

انغماس الاتحاد الاشتراكي في منحاه السياسي الجديد ، سيكون على حساب ذاته التنظيمية ، و قدرته على تطوير إطاره و ألياته السياسية و التنظيمية ، و سيستنزف كثير من طاقته و جاذبيته الشعبية ، و سيضعف من عزمه على مضاعفة جهوده للاصلاح ، و سيدخله إلى أزمة عميقة برزت تجلياتها بشكل واضح للعيان .

الإتحاد الإشتراكي لم يتبرأ يوما من ازمته ، و لم يجد اي حرج في الاعلان عنها ، بل سعى جاهدا لطرحها للنقاش و التداول سواء داخل الحزب أو خارجه ، و هو ماشكل مادة دسمة للنقاش و التفاعل بين مختلف أبنائه و بين مختلف الفاعلين السياسيين بالبلاد.

وعي الاتحاد الاشتراكي بأزمته، هو ما سيدفعه الى البحث عن سبل الخروج السريع منها ، عبر الاقرار باخطائه و تراكماتها التنظيمية و السياسية، و انعكاساتها المدمرة على ذاته الحزبية ، والعمل على حسمها عبر إجراءات عملية ، تعيد له قوته و جاذبيته و تدفعه للعب أدواره التي وجد من اجلها .

أزمة الاتحاد الاشتراكي ، أكدت للجميع ان مكانة الحزب و حضوره في وجدان الشعب المغربي ، غير قابل للتعويض ، و ان الحزب كنتاج مجتمعي خالص لا يمكن تجاوزه و لا يمكن استبداله بوصفات سياسية جاهزة ، و ان المجتمع لم ينتج اي بديل له .

إدارك الاتحاد الاشتراكي اليوم لهذه الحقيقة ، واكبه تحول حقيقي للحزب ، جعله يسترجع عافيته التنظيمية و السياسية ، من خلال تجاوز معيقاته التنظيمية و إعادة جاذبيته المجتمعية و انفتاحه على الطاقات و الكفاءات ، و إنتاجه لخطاب سياسي قوي و متوافق مع مبادئه و توجهاته الإشتراكية الديمقراطية.

الإتحاد الاشتراكي اليوم ، يخوض الاستحقاقات الانتخابية بتصور بعيد عن التجاذبات السياسية السائدة اليوم و المؤطرة بهواجس المال و الدين ، تصور سياسي يقوم على الإجابة على نوعية الدولة التي يتطلع إليها المغاربة ، تصور يهدف إلى جعل الهاجس الاجتماعي الاساس الذي تقوم عليه مختلف التدخلات و المشاريع السياسية ، تصور ينتصر للديمقراطية و حقوق الانسان و كرامة الشعب المغربي .

ان ما قدمه الاتحاد الاشتراكي من تضحيات و يقدمه اليوم من عرض سياسي متوازن و جدي ، يستحق انصاف انتخابي، ينتصر لحزب وطني كبير لم يبخل في اي لحظة تاريخية على المغاربة ، بكل ما يملك من طاقة و جهد من اجل تطلعاتهم في العيش الكريم و الكرامة و الحرية .

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..