تفرغت وانشغلت بعض الأحزاب والمنظمات بالاستحقاقات الانتخابية لدرجة أنها لم تعد عندهم من الواجهات الدستورية والنضالية التي يفترض أن يكافح ويكد من خلالها المنتخبون والمنتخبات لتمثيل الشعب والدفاع عنه من موقع التسيير أو المعارضة وتحقيق ما أمكن من تنمية لصالحه بدعم وتأطير من الأحزاب للترافع من أجل تيسير وصول فعلي للثروات الوطنية للميزانيات المحلية لمدن وقرى الوطن للرقي بمستوى العيش والتنمية في مختلف المجالات والتقدم بدرجات المعرفة ووعي الناس.
وبارتفاع حدة التنافس المختل بين الأحزاب حيث يفترض أن يكون التدافع الإيجابي بين البرامج السياسية والتنموية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سارت وتسير الأمور في الاتجاه المعاكس لطموحات المواطنين والمواطنات والقوى الحية الاصيلة وليست الهجينة،.. وانشغلت غالب الأحزاب بالانتخابات والمرشحات والمرشحين وهندسات التمكن من الكراسي وإطلاق معارك ومناورات «دونكيشوطية» ركب فيها البعض «القصبة» وظنها فرسا، واستغل الآخرون المال أوالدين أو هما معا، وضاع دور الأحزاب في التأطير وتخليق الحياة العامة، وترك الناس بسبب ذلك بين استحقاق وآخر في متاهات تضيع الطاقات الإيجابية ويهدر الزمن وتبدد القدرات بإهمال وإفساد المكتسبات لتتحول جماعات ترابية المنتخبة إلى سلطة إدارية تعتزل الناخبين وتتواجه معهم بسلوكات وقرارات وقراءات مرات تبريرية بالقوانين التي عطلوها وتشددوا في تفسيرها، وأخرى بغطاء فصل السلط والاختباء وراء اختصاصات ومهام السلطات المحلية التي تقدم للناس على أنها صاحبة الحل والعقد والأمر والنهي حتى في الاختصاصات المنصوص عليها في القوانين التنظيمية، إن تماهي المنتخبين مع السلطات بتحويل فلسفة القرب إليهم ومعهم وليس للساكنة ومعها إضافة للأخطاء والإنحرافات والتسيير العشوائي والعبثية في المسؤوليات تسبب في مد وجزر من الجهتين بمرجعيتين وعقليتين متباعدتين:
– مد في سلوك بعض المنتخبين نحو حمى السلطة للاستفادة من قوتها الإدارية ولظنهم بأنهم يـتقاسمون معها ما يظنونه «هيبة» ومكانة، وفي مقابل هذا حصل ويحصل جزر وابتعاد عن الناس وهمومهم وقضاياهم.
– ومد من السلطة التي أصبحت تحل محلهم بقوة القانون بسبب غياب ونسيان منتخبين لمهامهم التي انتخبوا من أجلها في العديد من المجالات، لتتحول بعض الجماعات الترابية إلى تابع غير فاعل ولا متفاعل مما يثقل كاهل السلطات ويحشرها في متاهات سد الفراغ والخصاص وحتى التدخل لحل مشاكل من اختصاصات الجماعة بسبب إحالتها عليهم من المنتخبين..؟؟
إن بلادنا والقوى الحية تجد أمامها وتعاني من مشاكل ومعاناة وتظلمات الشعب خاصة شغيلته في القطاع العام والشبه عمومي والخاص وبالقطاعات المهنية والحرفية والتجارية المعيشية الشعبية، وتعاني من انحسار وضعف دور المنتخبين والمنتخبات وتفرغ العديد منهم لكل ما يسيئ لمكانة المؤسسات الترابية المحلية من انحياز لعشيرتهم الحزبية والعقدية، وبمعاكستهم للمخالفين والمعارضين لهم بالمؤسسة وبتراب الجماعة ، إلى تهميش الكفاءات العاملة بها وممارسة الحجر والتهميش عليهم وبث التفرقة بينهم وزرع عدم الثقة ، إلى هدر الزمن السياسي العمومي، وضرب وتعطيل وإهمال المكتسبات الموروثة، إلى تعارض مكشوف وسيئ بين خطاباتهم وممارساتهم التي تنشر الأضاليل والأوهام ،، إلى اضطراب معطل للبرامج التنموية المتوفرة والممكن توفيرها في علاقة مع مؤسسات الدولة مما ضيع ويضيع إمكانيات ضرورية لتقليص الهشاشة وإتمام برامج التأهيل والإصلاح والتنمية في افق تحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية..
إن المنتخبين المنتمين حزبيا يفترض فيهم أن يكونوا محصنين باقتناع بمبادئ وتراث حزبهم إيديولوجيا وببرامجه ومخططاته وتوجهاته التنموية، كما يفترض فيهم العلم العملي بدستور الوطن والقوانين التنظيمية والقوانين المالية والإدارية و.. التي تؤطر عملهم وتدبيرهم وقراراتهم ، فضعف وغياب أو تغييب هذا يجعلهم متشابهين ومتشاركين في أحد أسباب ميوعة الشأن المحلي وفشل أدواره وفقدان وتزعزع ثقة المواطنين والمواطنات في مؤسسات لابد منها للبناء الديموقراطي ولتقوية دولة الحق والقانون وتقوية روح المسؤولية ، مما يترتب عليه إرتفاع نسبة الامتناع عن التسجيل في اللوائح ومقاطعة المشاركة والتصويت في العمليات الانتخابية برمتها..
السؤال السياسي الوطني المطروح هو لأية انتخابات نستعد؟ وبأية منهجية يجب أن تعمل الدولة والأحزاب لجعل الاستحقاقات المقبلة عيدا وطنيا ديموقراطيا ينخرط فيه الشعب بحرية وعقلانية بعيدا عن كل ما من شأنه أن يفسد ويشوه ويسئ، ولنكون بعدها قد قطعنا مع أسباب تعطيل الديموقراطية والتنمية والعدالة الترابية، ولنفتح باب الأمل الحقيقي والعملي الذي يجعل مغرب الحضارة في مصاف الدول العظمى، وما ذلك بصعب على شعبنا!