.. لاعلاقة لهذا المقال ب «علم الظاهر والباطن» ولا  ب «أهل الظاهر وأهل الباطن» في الفلسفة والتصوف والتأويل ..
إنها تطرح أسئلة مركبة في علاقة بين ما يعلن عنه في السياسة من السياسيين  والمحصلات في الواقع؟  وهل ما يعلنونه هو ما يبطنونه فعلا في علاقة بالنتائج؟
وهنا نتساءل أخلاقيا أيهما أنفع للناس الكذب أم الصدق؟ الترويج للوهم والتخلف  لإقبار الوعي أم بناء الإنسان وتحصينه وتأهيله للعمل الصحيح؟ وأيهما أفضل ملء الفضاءات التواصلية «الاجتماعية» والشعبية بالضلالات والساقط من الكلام والخرافات والإشاعات المغرضة؟، أم نشر المعرفة والنهوض بالثقافة بكل تجلياتها في كل مفاصل المجتمع؟، وأية مفاسد تترتب عن الشعبويات في السياسة والمعاملات؟، أليس الوطن هو الخاسر الأكبر بسبب العبث السياسوي والإعلامي التواصلي بتمييع بعض التشريعات المؤطرة للديموقراطية وحقوق الانسان بغاية التمييع والتعطيل  ؟…
إن أحاديث الباطن بتمظهراتها  تكون «مقنعة» لعقلية صاحبها في تساؤلاتها ومخرجاتها وخلفياتها ولو  نسجها بأفكار وموضوعات  فاسدة  مشبعة بسوء نية  مع إصرار وقصد وترصد، إن طرقها ومساراتها لاتخضع  لأي منطق سليم، لأن بعضها  مجرد خدمات مدفوعة الثمن، والبعض الآخر عبارة عن  تخاريف وأوهام وهلوسات تدل في علم النفس على أمراض عدة منها «الهلاوس/الهلوسة»، يطلق عليها  الدين في حالة تعمد أصحابها ذلك مسميات متعددة تحتاج شرعا إلى إقرار بالذنب والتوبة والإعتذار لما يترتب على التمادي من غضب لله في الدنيا والآخرة وهي جوهر حديث «المفلس»،
إن منهم من يقدس   صناعة وتلفيق  الأخبار الكاذبة، ومن يبحث عن «التميز» باعتماد قاعدة المعاكسة المتحامقة، ومن يرى في الوعي والمواطنة الإيجابية مزاحمة لانتهازياتهم وتضييق على منافعهم الريعية، وأغبهم يظن  أن الناس لا يدركون حقيقتهم البخيسة .. فبسهولة  يتعرف عليهم المخالطون لهم  بالمجتمعات الصغيرة أو الكبيرة في مختلف البلدان والدول، إن هذا  السلوك المرضي لاتختص به  فقط سياسات دول منها من بالجوار، بل يشمل نماذج بشرية   بحي أومدينة أو قرية، فلا فرق بين أن يكون صاحبها  «مثقفا» او  «متعلما» أو «شبه متعلم»  أو  «أميا» .. ذلك أن أغلبهم  يكونون حربائيين يبدلون أفكارهم وأقوالهم وسلوكهم  كما يغيرون أقنعتهم وألبستهم ليضعوا أنفسهم و«خدماتهم» البئيسة  رهن إشارة  أجندات متناقضة  بهدف التمييع والتشكيك، ولمحاربة كل الجديين والجديات، ولإثارة الفتن كما هو حال الدولة الجارة التي تحشر أنفها فيما لايعنيها ولايخصها وهي  تعرف حق المعرفة  تاريخ المغرب المتميز بالوطنية الصادقة والريادة في جميع المجالات وتصدره  للقيادة بشمال وعمق  إفريقيا وحتى الجنوب الأوروبي منذ عشرات القرون إلى حين حصولها – الجارة –  على الاستقلال بدعم من الدولة المغربية وجيش التحرير المغربي وتعاطف ومؤازرة الشعب المغربي،
ولقد لخص السوسيولوجي الراحل محمد كسوس أكبر غايات هؤلاء  تعطيل وتشويه وتخريب بناء وعي الانسان بمقولته الشهيرة: «إنهم يريدون  خلق جيل/أجيال من الضباع»،
إن القدرة على التمييز بين الخير والشر، والحسن والقبح، والإصلاح والإفساد، والبناء والهدم ، والمعرفة والجهل، والممكن وغير الممكن  عند الفرد والجماعة مدخل لفهم السلوك وبناء الأخلاق بأبعادها الإنسانية في احترام للتنوع والتعدد والاختلاف والخصوصية، فمعايير التقييم والاختيار تختلف بين  الأفراد والجماعات والثقافات والسياسات، وتحصيل الحاصل أن كل ما هو جميل ومفيد للبشرية ويحمل النبل الإنساني ويقدم قيمة مضافة تخدم مصالح وأحوال وأوضاع الناس لما فيه تقدمهم وازدهارهم ورخاؤهم وتطورهم، يعتبر من الثروات اللامادية المتجددة والمثمنة التي لايستهان بها، ولايجوز أن  يهمش أو يقصى أي منها لأنها تتكامل فيما بينها  ويشد ويعضد بعضها بعضا بما يضمن التحصين اللازم للعقل والفكر والروح والنفس عند الأفراد والجماعات والمجتمعات، ويضمن جودة العمل والعطاء …
إن هناك من يوقت لتنزيل  أفكار و«أعمال» باطنها التآمر والوصولية  وظاهرها النقد الهدام وأهدافها   السعي  من أجل التموقع والتقرب ممن يتوهم أو يسوق  بأنهم مركز قرار ومصدر غنائم مرحلية للدفاع عن مصالح خاصة وخدمتها ..
إن أصحاب  السياسويات المتسللة للمشهد العمومي  المتخصصة في نشر أدرعها التحكمية المصالحية ، تسعى لاستدراج الذين طالهم التهميش ولم تنصفهم سياسات عمومية في علاقة بالإدماج في الدورة الاقتصادية والإنتاجية  بإيهامهم أنهم جزء أساسي لحل مشاكل الناس  وتحسين الواقع المعيش ، إن البعض منهم طرف في الأزمة بكل تمظهراتها  ووجوهها وتداعياتها  بل هم آليات معطلة للتغيير والإصلاح لعقود تحت مسميات مختلفة  ، إنهم وفق مسلكياته يتضايقون مما ناضلت من أجله القوى الوطنية والتقدمية والحداثية لعقود ، وما سعت إليه الدولة بشكل متدرج في نفس سياق عمليات ومبادرات الإصلاح والتغيير لتطوير ودمقرطة الحياة العامة دستوريا وسياسيا وعلى مستوى عدة تشريعات ..
إنهم  يبخسون نضج والتزام ووعي الشعب وانخراطه في حركة الإصلاح والتغيير ببلادنا،  ويسعون بعلم أو بجهل لإفشال التنمية وحركة الإصلاح والتحديث والدمقرطة  بتكريس  التبعية والوصولية  والارتزاق  المغلف «بالإحسان «والوساطات الفاسدة ، إنهم خليط يكون لوبيات مصالحية ضد  التغيير والتقدم الديموقراطي الحداثي وجعل الثروة في خدمة الشعب وازدهاره ورخائه  ، إن منهم من يريد أن يكون الناس في خدمة ثروتهم بالمزيد من التفقير والاستغلال والتحكم  ..
لهذا فمسؤوليات الدولة والقوى الحية والشعب أساسية وضرورية لوضع حد لاستغلال الدين والمال و»السلطة « في البناء الديموقراطي في علاقة بالاستحقاقات المختلفة المنصوص عليها دستوريا ،،إنه لا تقدم ولا تطور ولاتحديث ولا نهضة اقتصادية واجتماعية ومعرفية مع لوبيات المصالح الضيقة والخاصة ، ولا تغيير بسياسات ظاهرها الإصلاح وباطنها الانتهازية وخدمة أجندات ليست في صالح أجندات الدولة والشعب ..
قال الإمام الشاطبي: (إن أصل الحكم بالظاهر مقطوع به في الأحكام خصوصاً، وبالنسبة إلى الاعتقاد في الغير عموماً، فإن سيد البشر مع إعلامه بالوحي يجري الأمور على ظواهرها في المنافقين وغيرهم، وإن علم بواطن أحوالهم، ولم يكن ذلك بمخرجه عن جريان الظواهر على ما جرت عليه… ).
تارودانت/المغرب: الأربعاء  10
فبراير 2021