خدوج السلاسي

عندما نلاحظ تنامي المشاركة النسائية في العديد من المجالات الاجتماعية و الاقتصادية  و الثقافية  ، و عندما نقوم بتقييم أولي لطبيعة الفاعل في المجتمع المدني ، يحضرنا سؤال  لمادا تزايد النضال النسائي في مختلف واجهات العمل الجمعوي ، و تحديدا بعد 1985، بينما يقل الإقبال على الانخراط في الأحزاب السياسية ، بالإضافة إلى الإكراهات الثقافية التقليدية ، و العوامل الموضوعية الموظفة  عادة في تفسير أو تبرير هذا الإحجام ، فإن الأمر يعود إلى أن السياسة تبدو مجالا جافا و صراعيا مرهقا ، مرتبطا و مثقلا بالممارسة الذكورية المتواترة ، حيث اقترنت السياسة غالبا بالرجل ، بينما اقترن القرب في أبعاده الإنسانية و الاجتماعية و الوجدانية بالمرأة قياسا على أدوارها التقليدية .

لقد وسمت السلطة الذكورية بكل قيمها و ملامحها العمل السياسي ، فاستبعدت و أبعدت عنه المرأة ، فتم إقصاء خصائص و خبرات الأنوثة ، ليبرز الرجل في أغلب المسارات الإنسانية باعتباره الفاعل الأوحد في تدبير شؤون الدولة و المدينة ، مع الأخذ بعين الاعتبار كل الأضرار و الخسائر الإنسانية المترتبة عن هدا التمثل و الفعل الأحادي ، تمثل و فعل يضمران الرجل كاختزال لمفهوم الإنسان ، حيث أصبحت الذكورية مرادفة للإنسانية ، فنسينا أو تناسينا  أن الذكورية و الأنثوية هما معا  الجانبان الجوهريان  للوجود البشري ، تتكامل بهما و من خلالهما مختلف الخصائص و السمات الضرورية لبناء مختلف جوانب الحضارة الانسانية .

 

إذا قمنا بعملية قراءة و مساءلة التراكمات الفكرية و المعرفية ، و إذا توقفنا لتأمل الممارسة السياسية من منطلق تعريفها الاشتقاقي ، كتدبير لشؤون الدولة أو المدينة ، يتبين لنا عندئذ  أن السياسة مجال تتكامل فيه و تتقاطع كل القيم و الخصائص الأساسية الذكورية منها و الأنثوية ، و عند تقبل هده الفرضية و الاشتغال عليها ستقدم السياسة نفسها كمجال أكثر جاذبية ، بل أكثر فعالية ، و سيتم تمثل الفعل السياسي كفعل أوفر سخاء و أكثر توازنا ، و أضمن وصولا للأهداف المتوخاة منه  . يتطلب الأمر الكشف عن عناصر الأنثوية في السياسة ، مع تعليق عسير و مقصود لكل الأحكام الثقافية الجاهزة و المسبقة المكونة للاوعي الجمعي ، و المعرقلة بطبيعتها لهدا الكشف . إن الأمر يتطلب قراءة نقدية لتراث الإنسانية الذكورية . فما تضمنته  فلسفة أرسطو مثلا من تمجيد للذكورية و تسييدها و انفرادها بالفعل السياسي و الحضاري على نطاق أوسع طبعت قبلنا الحضارة الغربية لمدة طويلة . إن ما تضمنته هده الفلسفة على الرغم من اشراقاتها المبدعة في مجالات أخرى  ، لم يعد شرطا مؤسسا للكينونة الإنسانية ، إنما هو اختلال في المقاربة و التصور اكتسب حجيته من السكوت عنه لمدة طويلة جدا .

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..