مصطفى المتوكل *

*  قال تعالى ( قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ . قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ.) الأعراف

… ومعنى الاغواء ” أي إبْعَادَهُ .. وإمَالَتَهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ ..”

… وفي نفس السياق “ضلَّ الشَّخصُ : زلَّ عن الشّيء ولم يهتدِ إليه و انحرف عن الطريق الصحيح “..

و” أضلَّ الشَّخصَ جعله لا يهتدي لطريق الحقّ ”

*  وقال سبحانه (  قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا)..الاسراء
..”احتنك فلانا: استولى عليه واستماله ، استأصله عن طريق الإغواء والإضلال”

واحتنك مأخوذة من الحنك بمعنى ان الشيطان يقود كل المسيئين كما تقاد الدابة من حنكها باللجام, سواء كان لجام حديد او فضة او ذهب او مصالح دنيوية او…

* ويقول تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) سورة الأنعام
لقد قدم الله في الآية الكريمة  شياطين الإنس على شياطين الجن لخطورتهم ..لان أفكارهم ونواياهم وأفعالهم شيطانية لاتبغي إلا الإفساد والإيقاع وقلب الحقائق ..ولأنهم من الناس ويعيشون بينهم وقد يتبوأون مراتب مهمة  في المجالات الدينية اوالسياسية والمجتمعية و…

..ان من الأشياء التي لا يستقيم معها اي منطق في علوم السماء والأرض بما فيها أمور السياسة والسياسيين والمنتسبون للحقل الديني وغيره … هي غياب الوضوح في المرجعية ان وجدت ..واختلال في الأفكار وتضارب في المواقف حسب المناسبات والمواقع … والميل  في حالات مختلفة الى  نمط   الترحال من منطقة إلى أخرى ومن حال إلى حال ومن فكر إلى نقيضه ..فيصبح البعض مع المؤمنين ويغدون مع المنافقين ويسهرون مع   المسيئين ويبيتون مع المتآمرين والتضليليين … وفي مثل هذه الاحوال قَالَ رَسُولَ اللَّهِ (ص) :” بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا “. رواه مسلم

وإذا استحضرنا  ترحال الأقدمين الذي يستغرق وقتا طويلا  لاعداد الراحلة والزاد وتسطير خارطة طريق الرحلة حتى تمر في أحسن حال والتي قد تستغرق الصيف او الشتاء كله او كلاهما ..لينتظرهم الناس في كل أمكنة اناخة النوق لتعودهم على ذلك ولتحقيق منافع مشتركة منها  تبادل الرأي وحسن الضيافة والتبضع و انجاز مهام كالبريد او السخرة وأحيانا التجسس  …مع ازدياد شوق القبيلة لهم كلما اقتربت العودة لانها غالبا  ما تكون موفقة لتساهم مردوديتها في تطوير الوضع من حال الى حال افضل ..مع استحضار تخوف دائم من وجود قطاع طرق وقراصنة  ولصوص يتحينون كل الفرص ليمرروا سيوفهم  الخفية والمكشوفة وعلى رأسها السنتهم   اللئيمة  ..فإننا سنجد البعض من الرحل المعاصرين لا راحلة عندهم ولا زاد ويستمر عندهم الترحال كل فصول السنة واحيانا في كل مفاصل اليوم والليلة …
…فبدل ان يشغل هؤلاء وأولئك السنتهم بذكر الله والاستغفار ..جعلوها رهن اشارة شياطين الجن التي اخبرنا انها  تصفد في رمضان …فابدعوا مكرا وكذبا وتزويرا فيما فشل فيه امثالهم في العوالم غير المرئية …

…فإذا كان كبراؤهم الذين علموهم “السحر والمكر  ” و كل ذلك الخبث وملأوا قلوبهم بكل الكراهية المعلومة والخفية لم يفلحوا في مساعيهم للاساءة لعباد الرحمن الذين اذا خاطبهم الجاهلون يقولون سلاما .. ولم ينجحوا في  قلب الحقائق والكرامات  التي نسجها الشرفاء بدمائهم وعرقهم وتضحياتهم منذ ان كان للعمل الصالح موطئ قدم في الارض ..الى العقود الماضية في بلدنا هذا والتي يستحيل لمن هب ودب من “المرجفين بالمدن والبوادي ” واشباههم ان يمنعوا غرسا سقته مياه الرب ودماء شهداء الحق والحرية من ان يزهر وينمو ويملا كل  الامكنة  باطن الارض  بالجذوره و سطحها بالظلال …
ان الذين رضعوا من الوطنية الراقية و من السلفية المتنورة حتى دحروا الاستعمار وبقوا في مواجهة مع اذنابه من عشاق العبودية والتبعية و من كانوا في اكثر من محطة مرتزقة لمن استخدمهم لجبنهم اولكثرة تملقهم اولطمعهم الذي لايعقبه شبع  وارتواء مطلقا والذي لايسده الا الثراب ..لاتنطلي عليهم الحيل والخدع البليدة ..كما لايسقطون في شرك ينصبه الافاكون ..كما لاينجرون وراء اوهام  وادعاءات خبروا من كان وراءها في الشدة قبل الرخاء …

..  ان الذين يحنون الى ماض تبرأ منه حتى الفاعلون الاساسيون  السابقون ..والذين “يستشهدون ” بتصريحات اكثر الاشخاص اساءة للمناضلين والمناضلات طوال عقود ..والذين يستنجدون بمن وظفوا لترويج الاشاعات ضد كل الفاعلين الأوفياء لهذا الشعب ..كما ان حتى الذين كانوا يلجاون الى  الاعتداء البدني والنفسي والمادي ضد كل صامد وصامدة  في العديد من المحطات بما فيها انتخابات الستينات والسبعينات وحتى التسعينات ويلهثون وراء لوبيات المصالح ومرتزقة العمل السياسي ..لن يقدموا لهذا الوطن الا كل ما يعطل تطور الوعي  وانتشاره ..وكل ما يحقق المزيد من التبعية العمياء والانكسار المحبط ..

..ان خيرة الرجال في تاريخ البشرية تعلم منهم الناس  المبادئ وطرق العمل البناءة .. وربوا على الصفح والتجاوز  والصبر الجميل والكلام  المحقق للفائدة ..ولولاهم لانمحت كل الحضارات وكل المبادئ السامية …لكن الجميع يعلم ان الشيطان  قطع عهدا امام الله انه سيتربص بالناس كافة ليشجع الكافر على  الاستمرار في كفره حتى يحشروا معه .. كما ان الشياطين الذين هم على شاكلته يعملون على نشر الإرهاب  وتشجيع قتل المسلمين الذين لايروقونهم  ولا يسايرون افكارهم ومطامحهم ..ويقومون  بالتشويش على  المؤمنين الصالحين ويفسدون عليهم صفاءهم ..وليتفننون في  الكيد لهم والايقاع بهم ظلما وعدوانا .. ولعل الشيطان الذي ابي  ان يسجد لادم وطلب من الله ان يتركه حيا حتى تقوم الساعة عاقد العزم هو وشياطين الإنس على جر  من انخدع من البشرية  وانساق معهم الى فضاءات الجحيم .. ليسمعهم هناك  ما اخبرنا به القران ..

في قوله تعالى ( كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال اني بريئ منك اني اخاف الله رب العالمين,  فكان عاقبتهما انهما في النار  خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين ) الحشر
ان كل  مناطق العالم في كل الحقب والعصور  عاشت وتعيش فيها ” نماذج” بشرية  لايرتاح لها بال الا بعد تطمئن نفسها الى نجاحها  في خراب اوطان او مجتمعات او اسر بل وكل ما فيه مصلحة للناس كافة ..
..لهذا فكلما رأيت من تميل نفسه وتعشق سياسات الشيطنة في المجتمع وفي العلاقات بين الناس وفي تخريب الاخلاق العامة و..فاعلم ان الشيطان آخذ بيده كما اخبرنا بذلك سبحانه وتعالى في محكم كتابه ..فما عليك الا ان تتجنبهم وتنبه العامة الى طبيعتهم ..ولم لا الدعاء لهم بالهداية والنجاة من الضلال والتحرر من العبودية والتبعية لشياطين الإنس الذين استعصى شفاؤهم والذين ابدعوا اكثر من شياطين الجن  …؟؟

ونختم  المقال بهذا الدعاء المأثور “” اللهم إنا أصبحنا  في ذمتك وجوارك .. اللهم إنا نستودعك ديننا وانفسنا ودنيانا وآخرتنا  وأهلنا  ومالنا  ، ونعوذ بك يا عظيم من شر خلقك جميعا ، ونعوذ بك من شر ما يبلس به إبليس وجنوده”

* تارودانت

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..

المجد للشهداء في الأعالي، وعلى الوطن السلام!